مصممو المحتوى: الأبطال المجهولون في عالم التصميم المدعوم بالذكاء الاصطناعي

في عالم الأعمال الرقمي والمادّي، هناك أبطال يستطيعون تطويع الكلمات في النصوص لتنساب بسلاسة وفقاً لإيقاعها الخاص. يدركون أن الفرق بين “لكَ” و”لكِ” ليس مجرّد اختلاف بسيط بل عميق، ويؤمنون بقوّة اللغة في تشكيل تجربة المستخدم من خلال النبرة والصوت. إنهم أولئك الكتّاب المحترفين الّذين وجدوا أنفسهم اليوم فجأة في قلب ثورة عالم الذكاء الاصطناعي؛ تلك التكنولوجيا التي أعادت رسم ملامح العمل والحياة والترفيه وحتى طريقة فهمنا للعالم من حولنا. على الصعيد المهني، يسمى هؤلاء المَهَرة في استخدام الكلمات “مصممو المحتوى (Content Designers)”.

رغم أن الكثير منّا يعتقد أنّ فكرة تصميم المنتجات الرقمية ترتكز بالكامل على الجوانب البصرية مثل التخطيط والألوان والأيقونات والأزرار – بسبب مصطلح “تصميم” – إلّا أن هناك جانب آخر لا يقل أهمية عن تلك الجوانب البصريّة وهو “اللغة”، وهنا يأتي دور مصممي المحتوى.

لكن كما هو الحال في باقي تخصصات تجربة المستخدم – وتخصصات أخرى أيضاً -، يدفع عصر الذكاء الاصطناعي الخبراء اللغويين اليوم إلى إعادة ابتكار مهاراتهم. فمع التطوّرات المتسارعة أصبحت معرفتهم اللغوية أكثر أهمية من أي وقت مضى لكن بشرط توظيفها بطرق جديدة كلياً.

اقرأ أيضاً: أهمية النبرة والصوت (Tone & Voice) في كتابة تجربة المستخدم

تصفّح أيضاً: هل يستبدل الذكاء الاصطناعي كتّاب تجربة المستخدم (UX Writers)؟

بين تجربة المستخدم الحتميّة والاحتماليّة: ما أهمية مصمم المحتوى؟

يقول جوناثان فوستر (Jonathan Foster)؛ رئيس فريق تصميم المحتوى في Microsoft 365 وCopilot: “هناك مستويان في تجربة المستخدم: الأول هو المستوى الحتمي (Deterministic) الذي يتعامل معه جميع المصممين وهو الطريقة التقليدية للعمل. أما التحوّل إلى نماذج اللغة الضخمة (Large language Models – LLMs) وإدخالها في العمل فقد خلق مستوى ثانٍ شكّل تجربة مستخدم احتماليّة (Probabilistic)”. وإنّ الانتقال من تجربة المستخدم الحتميّة إلى الاحتماليّة يشكّل تحوّلاً جذرياً بالنسبة لمصممي المحتوى بلا شكّ!

لنشرح مفصّلاً ما قَصَدَه فوستر:

في تجربة المستخدم الحتميّة، تكون النتائج واضحة وقابلة للتنبؤ أيضاً. على سبيل المثال: خلال جدولة اجتماع على Microsoft Outlook، يعمل مصممو المحتوى على صياغة اللّغة التي توجّه المستخدمين خلال الخطوات المتتابعة. وهنا غالباً ما يتعامل المصممون مع الصوت والنبرة على المستوى السطحي، أي يتعاملون مع اللغة كعنصر تصميمي ليس أكثر. بل إن بعض الكلمات التي يقرؤها المستخدمون قد تكون صيغت بمساعدتهم!

لكن الأصحّ أن يتم التعامل مع اللّغة باعتبارها الجسر الذي يربط بين التكنولوجيا الباردة** والمستخدمين الذين يتعاملون معها. وهنا يكمن التّحدّي بالنسبة لمصممي المحتوى؛ حيث يحاول مصممو المحتوى تحقيق التوازن بين وضوح وبساطة اللغة مع مراعاة اختلاف مستويات المستخدمين وسياقات الاستخدام المتغيّرة. وهذا ما يقودنا إلى النموذج الاحتمالي.

في الأنظمة المدعومة بالذكاء الاصطناعي تصبح نتائج تجربة المستخدم غير قابلة للتنبؤ تماماً لأنها تعتمد على النماذج الاحتماليّة أو تقنيات التّعلم الآلي. لذا فإن إدخال المستخدم لمطلب معين يؤثّر مباشرةً على تجربته الخاصة لأنه بذلك يوجّه نموذج لغوي ضخم.

مصممو المحتوى
بين تجربة المستخدم الاحتمالية والحتمية: ما الفرق؟

** لمن لا يعرف ما هي التكنولوجيا الباردة (Cold Tech)”؛ عكس “التكنولوجيا الدافئة (Warm Tech)”: التكنولوجيا الباردة تُعطي الأولوية للآلات وتهتم بتحقيق نتائج أسرع وأقل تكلفة وأكثر إنتاجية. بينما تُعطي التكنولوجيا الدافئة الأولوية للبشرية وتستفيد من سلوكيّاتهم الشخصية.

تطوّر تصميم المحتوى: من دور هامشي إلى محور رئيسي

في الماضي، كان يُنظَر إلى مصمّمي المحتوى كعناصر ثانوية في عملية التصميم حيث لا يتم استدعاؤهم إلا في المراحل النهائية بعد اكتمال تصميم الواجهة ليملؤوا الفراغات بالنصوص المناسبة. كانت تلك النظرة تعامِل اللغة كعنصر لاحق، بينما تركّز العملية التصميمية على الجوانب البصرية والتفاعلية.

لكن اليوم، يعتمد الذكاء الاصطناعي على نماذج اللغة الضّخمة وهي تكنولوجيا مدرّبة على المحتوى اللغوي الضخم المتاح على الإنترنت. ومع تحوّل الذكاء الاصطناعي إلى نظام قائم على اللغة، أصبح تصميم المحتوى عنصراً محورياً في تطوير المنتجات. حيث ونظراً لحساسية نماذج اللغة الضخمة تجاه الكلمات المستخدمة في أوامر النظام، صارَ تصميم المحتوى جزءاً أساسياً من تجربة المستخدم. 

لذا نلاحظ أنه في جميع الحالات؛ سواء كان المستخدم يطلب الاتجاهات الصحيحة من مساعد صوتي مثلاً أو يتلقّى توصيات من روبوت محادثة خاص بورشة لإصلاح السيارات، فإن عملية تصميم المحتوى أصبحت احتمالية بدلاً من كونها حتميّة.

في السّابق، كانت تجربة المستخدم تعتمد بشكل أساسي على التصميم مما جعلها قابلة للتوقّع ومتسقة لجميع المستخدمين. أما الآن فالتجربة تتأثر بعوامل متعددة منها نموذج اللغة الضخم ومعالجة البيانات وضبط النموذج وغيرها، إضافةً إلى مدخلات المستخدم نفسها وهي الأهم. لذا، لم يعد بإمكان المصممين تحديد تجربة المستخدم بدقة كما في السابق بل عليهم التكيّف مع الطابع الاحتمالي لهذه التجربة مع إمكانية توجيهها نحو اتجاهات معينة مما يؤدي إلى تجارب فريدة لكل مستخدم.

على سبيل المثال، اليوم، يبتكر مصمّمو المحتوى أساليب جديدة لفهم كيفية تفاعل المستخدمين مع كوبايلوت (Copilot). فمن خلال أوامر النظام أو مطالباته، يؤثرون في تجربة المستخدم من داخل بنية نموذج اللغة الضخم. لم يعد دورهم مقتصراً على ملء الفراغات بل أصبحوا يعملون بشكل وثيق مع مصممي تجربة المستخدم ومديري المنتجات والمهندسين لصياغة رحلة المستخدم من البداية، وضمان أن تحقّق التجربة أهدافها لخدمة المستخدمين.

مطالبات النظام تلك لا توجّه سلوك الذكاء الاصطناعي فحسب؛ بل تضمن أيضاً اتساق استجاباته مع الأهداف المحددة للمستخدم، مما يجعلها بمثابة إطار عمل يشكّل سلوك الذكاء الاصطناعي طوال فترة التفاعل مع المستخدم.

اشترك في الدورة التأسيسية في كتابة تجربة المستخدم وتصميم المحتوى الآن!
كُن السّباق إلى فهم مبادئ وأساسيات كتابة تجربة المستخدم وتصميم المحتوى، وتعلّم كيفية تطويع الكلمات بأفضل طريقة ممكنة لتناسب جمهورك المستهدف!

تصميم المحتوى الموثوق: أهمية أن يختار مصممو المحتوى الكلمات المناسبة

عند إنشاء حساب عبر الإنترنت، قد يركّز مصممو المحتوى على جعل زر “إنشاء حساب” بارزاً وسهل النقر. ولكن ماذا عن تسمية الزر نفسه؟ تخيّل لو كان مكتوباً عليه “سجِّل روحك” بدلاً من “إنشاء حساب” مثلاً!.

رغم أن مثالنا السابق مبالغ فيه لأنه واضح خاطئ للعيان، إلا أنه يوضّح كيف يمكن أن تؤدي الخيارات الخاطئة في الكلمات إلى الارتباك أو الإحباط أو فقدان الثقة. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الاستخدام غير الدقيق للكلمات في التنبيهات أو الإرشادات إلى خداع الأشخاص وجعلهم يعتقدون أنهم على موقع رسمي مثلاً بينما هم في الواقع ضحيّة لعملية احتيال!

هذا النوع من المحتوى غير المتّسق قد يؤدي إلى عواقب واقعية مثل خسائر مالية وإهدار الوقت أو حتى أضرار نفسية. لو فكرنا مثلاً بالتطبيقات الخاصة بالصحة أو واجهات الخدمات المصرفية الإلكترونية، نلاحظ أنّه يمكن أن يؤدي توجيه غير واضح للمستخدم أو مُصَاغ بشكل سيئ إلى أخطاء كارثية مثل تناول جرعات غير صحيحة من الأدوية أو تحويل الأموال إلى حساب خاطئ. أضف إلى ذلك أن الطريقة التي يتم بها اختيار نبرة التواصل مع الأشخاص في دولة معينة قد تكون غير ملائمة لدولة أخرى حتى لو كانت اللغة نفسها مستخدمة في كلتيهما.

إذن يتطلّب تصميم تجارب ذكاء اصطناعي موثوقة وآمنة تحقيق توازن دقيق بين اللغة المتقنة وحدود التكنولوجيا نفسها. في حالة برنامج مايكروسوفت كوبايلوت، لا يقتصر دور مصمم المحتوى على توضيح الأفكار والمعلومات فقط بل يشمل أيضاً بناء الثقة مع المستخدم. وهذا يعني تقديم إجابات منطقية للمستخدمين ومعالجة أي سوء فهم أو تحيزات قد تنشأ من تفسيرات Copilot.

ولكن كيف يقوم مصممو المحتوى (Content Designers) بفعل ذلك؟

الإجابة أنه بغض النظر عن المنتج أو الميزة، يجب على مصممي المحتوى اختبار الصياغات والتعديل عليها باستمرار لمعرفة كيفية معالجة أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي للمعلومات وتقييمها.

وتأكيداً لذلك، أوضحت إيزوبيل مكروم (Isobel McCrum)؛ المسؤولة عن الجانب اللغوي من أوامر النظام في Copilot ضمن Microsoft Word، أن هناك ثلاثة أمور اتّضحت بسرعة عند العمل على تلك النماذج لأول مرة:

  • أولاً الجمل الشرطية تعمل بشكل جيد جداً. بمعنى إذا قام المستخدم بـإدخال X يجب أن يردّ النظام بـ Y حصراً. بناءً على طبيعة المنتج قد يكون من المفيد تضمين ردود نموذجية لتحديد نبرة المنتج وصوته. ونظراً لأن أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدية بارعة في التعرف على الأنماط فإنها ستكرر استجابات المستخدم في سياقات مختلفة.
  • ثانياً تميل بعض نماذج الذكاء الاصطناعي إلى تذكر نهاية التعليمات بينما تتجاهل بدايتها. لذا إذا كان هناك مطلب صارم تريد تأكيده فمن الأفضل تكراره في نهاية التعليمات.
  • وأخيراً يجب أن تكون الردود واضحة ودقيقة للتخلّص من أي غموض.

في النهاية، نلاحظ أن كلّ ذلك يعتمد على الاختيار المناسب للكلمات المستخدمة.

اشترك في الدورة المتقدّمة في كتابة تجربة المستخدم وتصميم المحتوى الآن!
احترف كتابة تجربة المستخدم وتصميم المحتوى وتعلّم كيف تكتب نصوص عميقة تجعل تجربة المستخدم في المواقع والتطبيقات أسهل وأبسط!

مصممو المحتوى مع AI: الحفاظ على الطابع الإنساني والأخلاقي والشمولي

من المتوقع أنه كلما تقدمت وتطوّرت تقنيات الذكاء الاصطناعي، زاد خطر ابتعادها عن التجربة الإنسانية. حيث في وقتٍ يمكن لهذه التكنولوجيا أن تساعد في اكتشاف علاج للسرطان أو مراقبة المفاعلات النووية أو تحسّن سلاسل التوريد لإيصال المنتجات إلى المستهلكين، يصبح من السّهل الوقوع في فخ إنشاء أنظمة فعّالة ولكنها غير إنسانية. لذا يجب على مصممي المحتوى البقاء متيقّظين لضمان أن تبقى اللّغة المستخدمة في المنتجات الرقمية متمحورة حول الإنسان.

وهذا أمر بالغ الأهمية في مجال الذكاء الاصطناعي المسؤول. فمع ازدياد قدرة أنظمة الذكاء الاصطناعي على اتخاذ قرارات تؤثر على حياة الأشخاص؛ سواء في التوظيف أو الرعاية الصحية أو غيرها، يصبح من الضروري أن تتواصل هذه الأنظمة بدقة وإنصاف مع المستخدمين.

على سبيل المثال، في نظام إنذار طبي مدعوم بالذكاء الاصطناعي، يجب أن يقدّم هذا النظام إرشادات واضحة وقابلة للتنفيذ على الفور لكل من المريض والمستجيبين لحالته. لأنّ إذا كان التصميم غير واضح أو كانت المعلومات المقدَّمة مضلِّلة فقد يؤدي ذلك إلى تأخير العلاج أو اتخاذ إجراءات غير صحيحة مما قد يتسبّب في عواقب وخيمة. لذا، يجب أن تكون اللّغة قابلة للتكيّف وشفّافة بحيث توفّر للمستخدمين طُرُق لفهم مصدر البيانات وتذكيرهم بضرورة التحقّق من المعلومات بدلاً من الاعتماد الكامل على الذكاء الاصطناعي كمصدر دقيق.

ونظراً لأن المستخدمين ليس لديهم الوقت دائماً للتحقق من المعلومات، من المفترض أن يقوم مصممو المحتوى بصياغة تعليمات وأوامر النظام بطريقة لا تعزز الصّور النمطية الضّارة ولا تستبعد الفئات الضعيفة.

اقرأ أيضاً: 4 استراتيجيات للاستفادة من الذكاء الاصطناعي في خدمة العملاء

حيث في عصرٍ يمكن أن تؤثر فيه المعلومات المضلّلة على عملية صنع القرار أو الإدراك العام، فإن التعامل مع التداعيات الأخلاقية للتكنولوجيا يمثل مسؤولية كبيرة. ومع ازدياد قوّة المنتجات، سيكون على مصممي المحتوى إضفاء إحساسٍ عميق بالتعاطف مع المستخدمين أكثر من أي وقتٍ مضى، وضمان أن عملهم يلتزم بالمعايير الأخلاقية.

الخلاصة..

يعتبر مصممو المحتوى عنصراً أساسياً في عمليات التصميم. ومع استمرار تطور المشهد الرقمي وخاصة مع ازدياد الاهتمام بالذكاء الاصطناعي والاعتماد عليه، سيصبح دورهم أكثر أهمية من أي وقت مضى.

الأسئلة الشائعة

من هم مصممو المحتوى؟

يعمل مصممو المحتوى على إنشاء المحتوى وتحديثه ومراجعته طوال رحلة المستخدم الشاملة، وتساعدهم في ذلك الأدلّة والأبحاث والبيانات.

هل مصمم المحتوى هو كاتب تجربة المستخدم أيضاً؟

ليس تماماً. يرتبط تصميم المحتوى وكتابة تجربة المستخدم ارتباطاً وثيقاً، لكنهما مختلفان. في بعض المؤسسات، قد يتولّى مصممو المحتوى أيضاً بعض كتابة تجربة المستخدم، بينما في مؤسسات أخرى، يكون الدوران منفصلَين. حقيقةً، إن تصميم المحتوى يتجاوز موضوع كتابة تجربة المستخدم بمراحل.

المقال_مترجم_بتصرّف_من_المصدر https://microsoft.design/articles/content-designers-the-unsung-heroes-of-design/

شارك المعرفة

انضم إلى نشرة UX Writing بالعربية

احصل على أفضل النصائح والمصادر في كتابة تجربة المستخدم وتصميم المحتوى مباشرةً إلى بريدك الإلكتروني + خصومات حصرية للمشتركين (+3000 مشترك)

دوراتنا المميزة

اختر الدورة المناسبة لأهدافك واحجز مقعدك الآن
الدورة التأسيسية في كتابة تجربة المستخدم
10 محاضرة . 17 ساعة
+ 100 خريج
الدورة المتقدمة في كتابة تجربة المستخدم
20 محاضرة . 40 ساعة
+ 100 خريج
الدورة التأسيسية في كتابة المحتوى
13 محاضرة . 25 ساعة
جديد
الدورة المتقدمة في أنظمة التصميم
24 محاضرة . 36 ساعة
ورشة التصميم السريع
4 محاضرة . 10 ساعة
جديد
دورات أخرى