عادات القراءة الإلكترونية، بالرغم من تطور التصميمات عبر السنوات الـ13 الماضية، ما زالت السلوكيات الأساسية فيها ثابتة وفقاً للاختبارات الأخيرة.
مهما تغيرت الأشياء؛ تبقى السلوكيات راسخة
إذا نظرنا في الدراسات الخمس التي أجريت على عملية تتبع العين (eye tracking) على مدى 15 عام، يمكننا ملاحظة التغييرات التي طرأت على سلوكيات عادة القراءة الإلكترونية لدى الأشخاص.
منذ العام 1997 ونحن نقول بأن الناس لا تأخذ الكلام بحرفيته ولا يقرؤون كل الكلمات. لكن أعينهم تأخذ لمحة عامة عن الشكل العام للمحتوى. شرحنا هذه العملية ضمن مقال سابق بعنوان علم نفس الصميم بجزئيه الأول/الثاني. حيث تكلمنا فيه عن كيفية تلقي البشر للمحتوى المعروض أمامهم.
تعد هذه إحدى الحقائق الأساسية لسلوك البحث عن المعلومات عبر الإنترنت. ما زالت نفس الطريقة بقراءة المحتوى ثابتة منذ 23 عاماً. هكذا نستنتج؛ أن لتلك العملية آثار على كيفية إنشاء المحتوى الرقمي.
على الرغم من التحولات التكنولوجية الهائلة التي غيرت من بعض السلوكيات البشرية؛ إلا أن العديد من نتائج الدراسات تدور حول عادات القراءة الإلكترونية، والتي بقيت ثابتة حتى بعد مرور 20 عاماً. لأنها من الأساس تستند إلى السلوك البشري البدائي.
منهجية تعقّب العين (Eye tracking)
هي نوع من أنواع الواجهات المعدة لغرض تعقب كيفية استخدام الأشخاص لبصرهم، وتأتي أهمية هذه العملية من خلال القدرة على تقييم التصاميم المرئية لتطويرها أكثر.
تعددت مهامها لتشمل دراسة سلوك الأشخاص وما الذي يفضّلون قراءته على الإنترنت. معظم الدراسات ناقشت نوعين من التعقب البصري للمستخدم، هما الكمي والنوعي:
- المراقبة الكمية: هنا يدرس الباحثون سلوك المشاهدة عبر دراسة سلوك عدد كبير من المشاركين، تشمل النتائج الطرق المستخدمة أثناء التركيز على عنصر محدد من العناصر الهامة الموجودة على واجهة المستخدم. شملت الدراسات الخرائط الحرارية (heatmaps) وقياس النظرة (gaze metrics).
- المراقبة النوعية: هنا يدرس الباحثون سلوكيات المشاهدة حسب اهتمام الأفراد. أي كل شخص حسب مجال عمله أو دراسته. من خلال دراسات خاصة لتتبع العين منها مخططات المراقبة (gazeplote) وإعادة النظرة (gaze replays).
هذه الدراسات التي امتدت على مدى 13 عام، وفقاً لـموقع nngroube جاءت نتيجة لمراقبة أكثر من 500 مشارك وأكثر من 750 ساعة مُتابعة.
أفضت الدراسات السابقة من عامي (2006-2013) إلى أن عادات القراءة الإلكترونية لم تتغير بشكل جذري. أما الدراسات الحديثة التي أُجريت عامي (2016-2019) بمنطقتين جغرافيتين مختَلفَتَين؛ شملت الولايات المتحدة بمعدل (46 مشاركاً) وكاليفورنيا بمعدل (105 مشاركاً).
كان الهدف من هذه الدراسات معرفة طريقة قراءة الناس للمحتوى الرقمي؛ بالإضافة لجمع بيانات من أَجل أبحاث أُخرى تتضمن تأثير العناصر ضمن المُنتجات الرقمية (Low-signifier interface) على تصميم التفاعل أو طريقة تفاعل المُستخدم مع هذه العناصر.
أما في عام 2019، توسعت دراسات المراقبة لجمع نتائج الإصدار الحديث، حيث تم إجراء الدراسة في منطقتين مُختلفتين؛ الولايات المتحدة بمعدل (48 مشاركاً) والصين بمعدل (12 مشاركاً).
الجدير بالذكر أن أنماط السلوك البشري متشابهة جداً رغم اختلاف اللغات والثقافات، بما في ذلك سلوك وأنماط وطريقة القراءة، لأنها في الأساس تستند إلى السلوك البشري البدائي.
تظهر الاختلافات الثقافية عند مقارنة الثقافة الأمريكية أو الأوروبية بالثقافات الآسيوية. لذا جاء الهدف من دراسة المراقبة النوعية في بكين لتحديد نوعية الاختلافات الثقافية إن وجدت لمعالجة المحتوى.
أسباب التغير الطفيف في عادات القراءة الإلكترونية
هناك سببين رئيسيين:
التخطيطات والأنماط الجديدة
تغيرت الطرق بتقديم المحتوى منذ عام 2006، يرجع ذلك لتطور عمليات التصميم ومرونة طريقة عرض المحتوى ضمن التصاميم؛ كما يؤدي شكل واجهة المستخدم وحجم الجهاز دوراً بذلك.
مثلاً، أوصت الدراسات السابقة باستخدام (liquid layout) بدلاً من (fixed layout) في النص، كانت هذه التوصية مفيدة سابقاً؛ لكن تَطّور أنواع التصميم أدت إلى بعض التغييرات الشاملة. بحيث لم تعد هذه التوصيات مفيدة بعد الآن.
أدى تَطّور عملية المسح البصري إلى انتشار طرق عدّة لعرض المحتوى كالجداول والتخطيطات المتعرجة (zigzag) التي تعرض الصور والنص بشكل متناوب على جهتي الصفحة.
أما الصفحات التي تحتوي على عناصر محتوى مميز، يستخدم الأشخاص فيه طريقة تشبه جزازة العشب، أي أنهم يبدؤون القراءة من الجهة العلوية اليسرى، ثم ينتقلون إلى اليمين حتى نهاية السطر، من بعدها ينتقلون إلى السطر التالي وبعدها إلى اليسار حتى نهاية السطر.
اسم هذه العملية مستوحى من آلة قصاصة العشب التي تعمل بشكل منهجي، ذهاباً وإياباً عبر الحقل بشكل معاكس كل مرة.
التعقيد في صفحات نتائج البحث
كان المستخدمون سابقاً يقرؤون نتائج صفحات البحث (SERPs) بشكل أفقي أقل. يعود هذا الأمر إلى تطور ميزات خوارزميات Google وتطّور طريقة عرض نتائج البحث لدى المنافسين مثل bing.
التطوير التكنولوجي والبرمجي الدائم في خوارزميات محركات البحث بطريقة عرض المحتوى وغربلته ليتناسب مع احتياجات المستخدم. بالإضافة إلى التنوع بعرض المحتوى ليأخذ كل شخص طريقته المفضلة في البحث. جعلت عادات القراءة الإلكترونية عند الأشخاص متنوعة وليست على سوية واحدة عند الجميع. حيث أصبح معظم الأشخاص يلقون نظرة خاطفة على الواجهة بشكل عام ومن ثم يُركزون على ما يستهويهم بدون الحاجة لقراءة كامل المحتوى تدعى هذه الطريقة (the pinball pattern).
طريقة العرض ساهمت بشكل كبير بتغير عادة القراءة الإلكترونية عند الأشخاص واعتمادهم طُرق جديدة للبحث عن المعلومات.
المميزات التي طرحتها عملية نتائج صفحات البحث (SERPs):
- الإشارات أو المستطيلات (signposts): تساهم الصور التوضيحية وعناصر إتمام المهام التي تتضمن كلمات ملفتة للانتباه تتعلق بعملية بحث المُستخدم لجعلهم يصلون إلى هدفهم بسهولة.
- لفت انتباه المُستخدم: تتمتع مميزات عملية نتائج صفحات البحث بتنوع بصري كبير على الصفحة لجذب انتباه المُستخدم في أكثر من اتجاه وهو السبب الرئيسي لنمط الكرة والدبابيس.
- طرح النتائج بأشكال مختلفة: تتمتع خوارزميات google بتقديم العديد من النتائج الموسعة بأكثر من طريقة، مما يجعل المستخدم يختار الطريقة التي تناسبه للبحث دون مغادرة الصفحة.
- تقديم إجابات سريعة: غالباً ما تُجيب الخوارزميات بشكل مباشر من خلال صندوق جانبي على استفسارات المُستخدمين من المعلومات البسيطة، دون الحاجة للنقر على نتائج البحث لمعرفة ما يبحثون عنه. تسمى هذه الظاهرة بـ (good abandonment).
أما أنماط وعادات القراءة الإلكترونية في الصين تختلف قليلاً عن نظيرتها في الولايات المتحدة، بسبب استخدام بدائل محركات البحث مثل محرك baidu الذي لا يوفر المميزات نفسها الموجودة بمحرك بحث google، فهي غير جذابة بصرياً وصورها المتضمنة داخل الصفحات قليلة وصغيرة. والعناصر الجانبية والروابط تحتوي على معلومات قليلة ولا تجيب على أسئلة المُستخدم.
بناء على ذلك أظهرت الدراسات 3 اختلافات رئيسية بطريقة استخدام الإنترنت بين الولايات المتحدة والصين:
وهي كالتالي:
- الثقافة: حيث تلعب عدد الأحرف دوراً هاماً بعملية البحث وطريقة عرضها فالأحرف الصينية أكثر بكثير من الأحرف اللاتينية.
- الاختلاف بتصميم المواقع وطرح الخدمات: تميل المواقع الصينية إلى التصميمات المعقدة على عكس المواقع الغربية.
مع أخذ هذه الاختلافات بعين الاعتبار نرى أن عادة القراءة الإلكترونية متشابهة لدى المُستخدمين حتى مع اختلاف المناطق الجغرافية. لا يمكن أن تكون هذه الدراسات شاملة لجميع البلدان ولا يمكننا الجزم بأن السلوكيات ستكون متماثلة عند الجميع. على سبيل المثال أعطت الدراسات على المواقع العربية نفس السلوكيات لدى المستخدمين ولكن بطريقة معكوسة ويعود ذلك بسبب النمط الكتابي للغة العربية من اليمين إلى اليسار.
أفضل العناصر التي يتضمنها المحتوى الجيد
مقارنة بالدراسات العائدة لعام 2006، اكتسبت 3 أنواع من المحتوى شعبية بين المُستخدمين:
- الجداول: المقارنة بين المعلومات.
- العناصر المُتضمنة (Inline elements): تكون موجودة بين السطور وتحتوي على اقتباسات (pull quotes) ونوافذ إعلانات منبثقة.
- آراء المُستخدمين: كالمراجعات والمنشورات.
نتيجة لذلك كشفت الأبحاث الأخيرة عن أكثر التفضيلات والسلوكيات التي يتخذها المستخدمون بقراءة المحتوى. على سبيل المثال بالتزامن مع شعبية الاقتباسات المنبثقة والعناصر المتضمنة تعمل هذه العناصر على تشتيت القارئ. حيث بدؤوا بقراءة المقالات بشكل خطي ولكن عند الوصول إلى اقتباس ما أو نافذة إعلانية، يتوقف المُشاركون عن القراءة ويتفحصون سريعاً (light scanning) بطريقة خاطفة فوق المكان الذي يحتوي إعلان أو اقتباس.
ما الذي بقي راسخاً في عادات القراءة الإلكترونية؟
إن الميل لاستخدام المسح البصري لم يتغير حيث يُفضل الناس أخذ فكرة شاملة عن شكل النص قبل البدء بقراءته. حتى أنهم ينتقلون بين الصفحات ويتخطون بعض فقرات المحتوى، بعدها يُعاينون ما تخطوه ليفحصوا المحتوى الذي أخذوا عنه لمحة كاملة سابقاً.
على الرغم من أن أخذ فكرة كاملة عن المحتوى تعتبر الطريقة الأساسية المُستخدمة لمعالجة المعلومات الإلكترونية فإن مقدار الوقت الذي يمضيه المُستخدم في القراءة يعتمد على أربع عوامل أساسية:
- التحفيز: ما مدى أهمية هذه المعلومات للمُستخدم؟
- نوع المُهمة (نوع البحث): عن ماذا يبحث المُستخدم؟ هل يبحث عن حقيقة مُعينة، أو يتصفح للحصول على معلومات جديدة أو مثيرة للاهتمام، أو يبحث عن موضوع محدد؟
- مستوى التركيز: هل يستخدم شخص كامل تركيزه أم لا؟
- الخصائص الشخصية: هل هو شخص يميل إلى أخذ فكرة عامة في البداية أو يميل إلى أخذ فكرة عامة في حالات محددة فقط، أو أنه من الأشخاص الذين يهتمون بالتفاصيل؟
هكذا نستخلص دراستنا بمعرفة أن الناس لا يقرؤون المحتوى بشكل كامل ولكنهم انتقائيين للمعلومات التي تلبي احتياجاتهم فقط. يعتمد تصميم المحتوى القابل للمسح البصري على ما يلي:
- طريقة وضع العناوين.
- عناوين فرعية: تكون واضحة لمعرفة أقسام المحتوى وتصنيفاته من أجل مساعدة الأشخاص في العثور على ما يثير اهتمامهم فقط.
- التحميل الأمامي (front-loading): أي وضع المعلومات الهامة في مقدمة الفقرات والعناوين الفرعية لتسهيل عملية المسح البصري.
- استخدام التنسيق: مثل القوائم النقطية أو النص الغامق للمعلومات المهمة للسماح للعين بالتركيز على المعلومات الأكثر أهمية.
- أسلوب الكتابة: استخدام أسلوب بسيط وسهل ومفهوم ليكون المحتوى قصير وواضح.
بعض أنماط المسح البصري
- نمط إف (F-pattern).
- نمط الطبقات (Layer cake pattern).
- النمط المرقط (Spotted pattern).
- النمط المُلتزم (Commitment pattern).
- نمط المراجعة الشاملة (Exhaustive review pattern).
- نمط التجاوز (Bypassing pattern).
- النمط المُتعرج (Zigzag pattern).
- النمط المُتسلسل (Sequential pattern).
- الاكتفاء بنتيجة واحدة على نتائج البحث (Love-at-first-sight pattern).
المبادئ الأساسية الراسخة قائمة على السلوك البشري
نتيجة للدراسات؛ أثبتت النتائج ثبات السلوك البشري في البحث عن المعلومات على الرغم من التغييرات التي طرأت على التصاميم خلال العقدين الماضيين. ولكن بشكل أساسي بقي البشر أنفسهم وبنفس السلوك بالرغم من التغير التكنولوجي حولهم.
قد تتغير السلوكيات قليلاً استجابة لتغير طريقة التصاميم ولكن الحقيقة الراسخة هي أن الناس لا يحبون إضاعة الوقت والجهد على الإنترنت.
في الختام؛ يمكننا القول أن هذه الدراسات التي توضح عادة القراءة الإلكترونية لدى البشر، تمدنا بالقوة لتصميم محتوى يلبي الغرض والحاجة منه، عبر إعطاء الناس المعلومات التي يريدونها بكل سهولة. لمزيد من المعلومات، احجز مقعدك في دوراتنا التدريبية في UX Writing بالعربية.
المراجع: ترجمة-وبتصرّف-للمقال: