تجربة المستخدم وتصميم الخدمات: مقارنة موضوعيّة
تقول سارة جيبونز (Sarah Gibbons)؛ نائبة رئيس مجموعة نيلسن نورمان: “تركّز تجربة المستخدم على ما يواجههُ المستخدم النهائي للخدمة في حين يركّز تصميم الخدمة على كيفيّة إنشاء تجربة المستخدم داخلياً”. وتعني سارة بذلك أن تجربة المستخدم وتصميم الخدمات وجهان لعملة واحدة. مصطلحان مكمّلان لبعضهما وليسَا من عالمَين مختلفَين.
سنعرض في هذا المقال القصير مقارنة موضوعيّة تبيّن أهمية كل من تجربة المستخدم (User Experience) وتصميم الخدمات (Service Design) ولمَ هما مكمّلين لبعضِهما. لنعرّف أولاً ماذا يعني كِلا المصطلَحَين.
تعريف تجربة المستخدم (UX): جوهَر التفاعل بين الإنسان والتقنيات
تجربة المستخدم (UX) هي الانطباع العام الذي يتركه تفاعل المستخدم مع منتج أو نظام أو خدمة أو واجهة رقمية. وتشمل جميع جوانب التجربة التي يخوضها المستخدم بدءاً من الاكتشاف الأولي وقابلية وسهولة الاستخدام وصولاً إلى الاستجابة العاطفية ومدى الرضا عن التجربة.
يتمحور هذا المجال حول فهم احتياجات المستخدمين وسلوكياتهم ودوافعهم بهدف تصميم تجارب لا تكون فقط سهلة الاستخدام ومتاحة بل أيضاً جذابة وذات قيمة حقيقية للمستخدم. بالتالي يُعَدّ “تصميم تجربة المستخدم (UX Design)” مجالاً يرتكز بالكامل على المستخدم ذاته حيث يعتمد على البحث والتجريب ووضع النماذج الأولية والاختبار المتكرر والتحسين. لضمان تحقيق سهولة الاستخدام والكفاءة والرضا العام أثناء تفاعله مع المنتج المصمم.
وبالطبع يضع مصمم تجربة المستخدم في اعتباره الخروج بتصميم جيد قدر الإمكان لتقديم لحظات تفاعليّة سلسة وبديهيّة بل وممتعة أحياناً. بحيث يتمكن المستخدم من تحقيق أهدافه بسهولة ما يعزز الارتباط العاطفي الإيجابي مع المنتج أو العلامة التجارية.
اقرأ أيضاً: ما هي تجربة المستخدم؟
تصفّح أيضاً: 10 قوانين ومبادئ أساسية في تصميم تجربة المستخدم
تعريف تصميم الخدمات: رؤية شاملة للتجربة المتكاملة
يأخذ تصميم الخدمات معنىً أوسع وأشمل وأكثر تكاملاً في العالم الرّقمي لأنه يهدف إلى تطوير الخدمات وتحسينها لجعلها أكثر تركيزاً على المستخدم وأكثر كفاءة وفعالية. وعلى عكس تجربة المستخدم التي تركّز بالأساس على التفاعل بين المستخدم والمنتج؛ يراعي تصميم الخدمات الصورة الكلية حيث يشمل جميع نقاط الاتصال والعمليات وكل الأطراف المعنيّة في تقديم الخدمة.
بالتالي يمكننا القول أنه لا يقتصر هذا التخصص على الجوانب من الخدمة الظاهرة للمستخدم (أي الواجهة الأمامية) بل يشمل أيضاً العمليات التنظيمية والهياكل الداخلية (أي الواجهة الخلفية) التي تُمكِّن الفِرق من تقديم الخدمة. أي أن الموظفين هنا جزء مهم من تصميم الخدمة.
بالإضافة إلى ذلك يهدف تصميم الخدمات إلى ابتكار خدمات لا تكون فقط قابلة للاستخدام وذات قيمة ومرغوبة من قِبَل العملاء. بل أيضاً فعالة ومستدامة بالنسبة للمؤسسات التي تقدمها (أي على المستوى التجاري).
بمعنى:
يعتمد هذا المجال على رسم خريطة رحلة المستخدم وتحديد التحديات ونقاط الضعف في جميع نقاط الاتصال سواء كانت رقمية أو مادية ومن ثمّ تصميم حلول شاملة تراعي حاجات الأفراد. ومن جهة أخرى يركّز على تعزيز التعاون بين مختلف الأقسام والجهات المعنية بالخدمة (الفِرق) لضمان تقديم خدمة متكاملة ومتّسقة تتماشى مع احتياجات المستخدمين.
اقرأ أيضاً: دليلك إلى معرفة أساسيات تصميم الخدمة (Service Design)
إذاً ما الفرق بين تجربة المستخدم وتصميم الخدمات؟
من التعريفَين أعلاه نستنتج ما يلي:
تشمل تجربة المستخدم (أو يمكننا القول تجربة العميل هنا) جميع الجوانب التي يتفاعل معها المستخدم عند التعامل مع شركة ما. وهي تتضمن أي شيء يواجهه المستخدم النهائي مثل تطبيق إلكتروني أو جهاز خدمة ذاتية أو موقع ويب أو حتى الرسالة البريدية. يمكن اعتبار تجربة المستخدم بمثابة الإجابة عن سؤال /ماذا/؛ أي “ما يواجهه المستخدم أثناء تفاعله مع العلامة التجارية” – لاحظ التركيز على المستخدم.
أما تصميم الخدمات فيشير إلى عملية تخطيط وتنظيم موارد العمل التي تشمل الأشخاص وأدوات العمل والإجراءات المتّخذة بهدف تقديم تجربة العميل بشكل متكامل. بعبارةٍ أخرى إن تصميم الخدمات يجيب عن سؤال /كيف/؛ أي “كيفية بناء تجربة المستخدم وآلية تنسيق مختلف الأقسام الداخلية للمؤسسة لضمان تقديم هذه التجربة بكفاءة” – لاحظ التركيز على العملية كاملةً شاملةً الخدمة والموظّف والمستخدم.
مثال توضيحي يبيّن العلاقة بين تجربة المستخدم وتصميم الخدمات
تخيّل أنك تواجه مشكلة في خدمة ما تدفعك إلى التواصل مع خدمة دعم العملاء من خلال الدردشة المباشرة. تبدأ هذه العملية بالبحث والعثور على خيار الدردشة ثم البدء بالمحادثة. ثم تشرح مشكلتك ويتعاون معك الموظف لحلّها. إن جميع تلك التفاعلات التي أجريتها بالإضافة إلى واجهة الخدمة نفسها تندرج ضمن “تجربة المستخدم”.
من جهة أخرى وبينما تتفاعل أنت مع موظف الدعم قد يكون هناك الموظف في الخلفيّة يقوم بعدة مهام: التحقق من قاعدة البيانات أو ربما ملء نموذج أو تسجيل التعديلات أو حتى التشاور مع مديره أو أي مهام أخرى. هذه العمليات إلى جانب الأدوات والتقنيات التي يستخدمها ذلك الموظف هي جزء من “تصميم الخدمات”.
هل لاحَظْتْ؟ تجربة المستخدم وتصميم الخدمة بالفعل عمليتان متكاملتان تماماً.
إذن كيف يؤثر تصميم الخدمات السّيء على تجربة المستخدم؟
إن ضعف تصميم الخدمات قد ينعكس سلباً على تجربة المستخدم. فلو عدنا قليلاً إلى المثال السابق عندما كنت بحاجة إلى المساعدة عبر الدردشة. ولنفترض أنك اضطررت للانتظار فترة طويلة قبل أن تتواصل مع أحد الموظفين بسبب سوء إدارة الموارد أو نقص عدد الموظفين فهذه تعتبَر مشكلة ناتجة عن تصميم خدمة غير فعّال أو سيء. علاوةً على ذلك إذا تمت إحالتك إلى موظف ثانٍ بعد الأول وتوجّب عليك إعادة تقديم جميع معلوماتك من جديد بسبب غياب نظام متكامل يتيح مشاركة البيانات بين الموظفين. فهذا أيضاً يعتَبر ضعف في تصميم الخدمات وسيؤثّر حتماً بشكل سلبي على تجربتك.
تصميم تجربة المستخدم وحده لا يكفي!
على مرّ تاريخ أعمال العلامات التجارية لطالما نظّمت الشركات عملياتها الداخلية استناداً إلى نقاط الاتصال المختلفة مع العملاء، ونقصد هنا بما يخصّ المنتجات أو قنوات التوصيل والتسليم. وقد أدى ذلك إلى تقسيم داخلي بين أقسام الشركة نفسها فأصبح هناك فريق التسويق وفريق المبيعات والمنتجات والفوترة وفريق خدمة العملاء. وفي بعض الحالات قد تقسَّم الفِرق حتى داخل المنتج نفسه مثل وجود فريق منفصل للصفحة الرئيسية للمنتج وآخر لصفحة الملف الشخصي وفريق ثالث لعربة التسوق وهكذا.
لكن تحقيق تجربة مستخدم سلسة يتطلب تعاوناً بين جميع تلك الأقسام والفِرق، وهذه الفكرة الرئيسية من عملية تصميم الخدمات. فمن خلال تصميم كيفية تفاعل الأفراد والعمليات والأدوات معاً يمكن ضمان تقديم تجربة متكاملة تلبي تطلعات المستخدمين.
ما الذي يحدث عند إهمال تصميم الخدمات؟
من جهةٍ أخرى إنّ غياب تصميم الخدمات في الشركة يؤدي إلى:
- فجوات بين ما تسعى الشركة إلى تقديمه وما يتم تقديمه فعلياً مما يؤدي إلى ضعف الثقة من طرف المستخدمين.
- تكرار الجهود وإهدار الموارد بسبب تداخل المهام بين الوحدات المختلفة.
- حتى لو كان الفريق قادراً على تصميم تجربة مستخدم رائعة فلن يتمكّن من الحفاظ عليها على المدى الطويل ما لم تكن قابلة للتنفيذ داخلياً.
يعمل تصميم الخدمات على تقليل الفجوات التشغيلية وإزالة التكرار وتحسين الكفاءة وتقليل التكاليف. ولذلك يجب عدم إهماله في الشركة.
تكامل تجربة المستخدم مع تصميم الخدمات: نحو مستقبلٍ أفضل للشركة وعملائها
مما سبق نستنتج أنه لا بدّ من تحسين تجربة المستخدم وتصميم الخدمات بشكل متوازٍ وبجهود متساوية. فمن الضروري التفكير في ما يواجهه المستخدم النهائي مع الأخذ في الاعتبار أيضاً كيفية تنفيذ هذه التجربة على المستوى التشغيلي. يمكن تصوّر هذا التكامل بوضوح من خلال “المخططات الخدمية (Service Blueprints)” التي ترسم العلاقة بين أفعال المستخدم والعمليات الداخلية لفِرق المؤسسة (انظر الصورة في الأسفل). حيث تعمل هذه المخططات على توضيح العمليات التنظيمية من أجل تحسين كيفية تقديم الشركة لتجربة المستخدم.
غالباً ما يكون السبب الرئيسي وراء تجارب المستخدم السيئة هو ضعف في هيكلة العمليات الداخلية في الشركة. ومن خلال رسم المخططات الخدمية يمكن للشركة تحديد أوجه الضعف والقصور وتحليل الأسباب الجذرية للمشكلات. بالتالي لا يؤدي هذا فقط إلى تحسين تجربة المستخدم بل يسهم أيضاً في تحسين بيئة العمل للموظفين من خلال تقليل الأعمال المتكررة وتحسين سير العمل.
الخلاصة…
لتحقيق تجربة مستخدم ناجحة يجب الجمع بين تجربة المستخدم وتصميم الخدمات. فمن غير الممكن تقديم تجربة عميل ممتازة دون التفكير في الأشخاص والعمليات التي تقف وراءها. وفي الوقت نفسه لا فائدة من تطوير منتج رائع إذا كان غير مناسب للمستخدمين أو لا يلبي احتياجاتهم.
من جهة أخرى إن المشكلات الداخلية في المؤسسات تؤثر بشكل مباشر على جودة تجربة المستخدم. وعليه فإن تحسين العمليات الداخلية يعزز من تجربة الموظفين مما ينعكس إيجاباً على تجربة العملاء ويضمن تقديم خدمات أكثر كفاءة واستدامة.
الأسئلة الشائعة
ماذا يعني كل من تجربة المستخدم وتصميم الخدمة؟
تجربة المستخدم (UX) هي الانطباع العام الذي يتركه تفاعل المستخدم مع منتج أو نظام أو خدمة أو واجهة رقمية. في حين تصميم الخدمة مصطلح ذو معنى أشمل يراعي المستخدم والموظفين ونظام العمل في الشركة ككل ويهدف إلى تطوير الخدمات وتحسينها لجعلها أكثر تركيزاً على المستخدم وأكثر كفاءة وفعالية.
ما الفرق الرئيسي بين تصميم تجربة المستخدم وتصميم الخدمات؟
باختصار يتضمن تصميم الخدمة التخطيط الاستراتيجي للعمل والتنفيذ على المدى الطويل. يعد تصميم تجربة المستخدم أكثر مرونة وتكراراً حيث تعمل فيه الفِرق على تحسين تفاعلات المستخدمين استناداً إلى الملاحظات المستمرة.
المقال_ترجمة_بتصرّف_من_المصدر: https://www.nngroup.com/articles/ux-vs-service-design/