كيفية وخطوات إجراء دراسة تجربة العميل (Customer Experience Study) بفاعلية
في سوقٍ مشبعةٍ بالخيارات والخدمات، لا تحظى العلامات التجارية البارزة بتميّزها من خلال جودة منتجاتها أو خدماتها فحسب؛ بل من خلال ما تحقّقه من تجارب عميقة وراسخة مع عملائها أيضاً.
ولذلك أصبحت تجربة العميل (Customer Experience – CX) ليست مجرد ميزة تنافسية إضافية؛ بل ميداناً تتصارع فيه الشركات على ولاء المستهلك، لأنها أدركت أن تجربة العميل هي العامل الأفضل الذي يجب أن تُبنى عليه القرارات، وأنها لا تستطيع افتراض حاجات العميل، بل عليها أن تنصت إليه بعمق، وتعرف ما يريد عبر تحليل ودراسة تجربة العميل. أدركت أن رحلته، ولحظات رضاه أو انزعاجه، يجب أن تصبح البوصلة التي تخطو عليها خطواتها المستقبلية.
ورغم أن ذلك يبدو بديهياً اليوم، فإن تطبيقه غالباً ما يتعثّر، حيث كشفت التقارير أن 87% من الشركات تعتقد أنها تقدّم تجربة استثنائية لعملائها، في حين لا يتفق مع هذا الادعاء سوى 11% من العملاء أنفسهم! كما لا يشعر سوى 23% من العملاء بـ”رضا كبير”! الواضح أن ذلك ليس مجرد فجوة بسيطة.
ويكمن السبب في انفصال هذه الشركات عن الواقع غالباً في غياب الرؤية الحقيقية للتجربة التي يعيشها العميل فعلياً. أما عواقب ذلك فهي سيئة، إذ تخلّى نصف العملاء تقريباً عن علامة تجارية واحدة على الأقل خلال عام 2022 إثر تجربة سلبية واحدة فقط، وهو ما يسهم في خسائر سنوية تُقدّر بالمليارات نتيجة لتسرّب العملاء.
فما هي الخطط التي يمكن أن تتبعها الشركات لتلافي تلك الخسائر؟ دراسة تجربة العميل وقياسها وتحليل النتائج هي من أفضل الخطوات التي يمكن القيام بها. وسنتعرّف في هذا المقال كيف يمكن إجراء هذه الدراسة وما هي الأدوات لفعل ذلك والكثير من التفاصيل المهمة.
ما هي دراسة تجربة العميل (Customer Experience Study)؟
لا تقتصر دراسة تجربة العميل على مجرد جمع البيانات؛ بل تمثل استكشافاً منهجياً للعلاقة التي تربط الشركة بعملائها. فهي تنطوي على جمع وتحليل وتفسير المعلومات حول كل تفاعل يحدث خلال دورة حياة العميل بأكملها.
يمكن تشبيهها بعملية تنظيمية هدفها الرئيس هو بلوغ فهم شمولي لخريطة رحلة العميل (Customer Journey Map)؛ بما في ذلك تصوراته، وتفضيلاته الضمنية، وتوقعاته المتغيرة، ونقاط الألم، ومستوى رضاه النهائي. إنّها محاولة للوصول إلى ما نسميه “صوت العميل (Voice of the Customer – VoC)” بكل ما فيه من دقة وتعقيد.
وبالطبع لا يمكن إجراء دراسة صحيّة بدون تحليلات. لذا تتضمن دراسة تجربة العميل إجراء تحليلات تجربة العميل (CX Analytics)، التي تركز على قياس وتحليل تفاعل العميل وسلوكه أثناء استخدامه للمنتجات والخدمات. وهي تتجاوز مقاييس رضا العملاء السطحية وتصل إلى البيانات السلوكية الدقيقة: أنماط الاستخدام، ومسارات التنقل داخل التطبيقات، وسجلات الشراء، وغيرها.
اقرأ أيضاً: أهمية تحليل البيانات لتجربة العميل (CX Data Analaysis)
إن الغاية من دراسة وتحليل تجربة العميل هي توضيح مصادر تعثّره خلال استخدامه الخدمة، واكتشاف المعوقات في الاستخدام، وتحديد فرص تعزيز التفاعل، بما يُسهم في ترسيخ استخدام المنتج ورفع مستوى الارتباط به. يمكننا ربط ذلك بما يُعرف بـ“قاعدة الذروة والنهاية (Peak-End Rule)” في علم الاقتصاد السلوكي، والتي تفيد بأن العملاء يتذكّرون التجربة بناءً على أشد لحظاتها حدّة ونهايتها، وهنا يأتي دور التحليلات في التقاط تلك اللحظات الحرجة وتحسينها.
في النهاية، عند دمج الدراسة النوعية مع التحليلات الكمية، تنتج آلية عمل فاعلة ومتكاملة. فالدراسة تفسر “السبب”؛ أي السياقات، والمشاعر، والدوافع، بينما توفّر التحليلات “الماذا” و”الكيف”؛ أي الأفعال القابلة للقياس والأنماط السلوكية.
وهكذا تتكامل الرؤية مع البيانات الرقمية لتنتج فرصاً حقيقية لتحسين المنتجات والخدمات والتفاعلات، بشكل يلبّي احتياجات العملاء الفعلية، ويعزز من رضاهم وولائهم، ويؤسس لنجاح مستدام للأعمال.
الفوائد والأهمية: لماذا تُعد دراسة تجربة العميل وتحليلها محرّكاً أساسياً لنمو الشركات؟
كما قلنا في المقدمة، إن الاستثمار في فهم ودراسة تجربة العميل لم يعد خياراً هامشياً، بل أصبح ركيزة استراتيجية أساسية في عالم الأعمال الحديث، لما يترتب عليه من مكاسب حقيقية، والتي منها:
- غرس التعاطف الحقيقي مع العميل: جوهر تجربة العميل الاستثنائية هو التعاطف؛ أي القدرة على إدراك مشاعر العميل والتفاعل معها بصدق. وتُعد الدراسة والأبحاث النوعية الأداة الأمثل لإحياء قصص العملاء ونقلها للفِرق الداخلية، ما يُمكّنها من عيش تجربتهم. فمثلاً، هناك فرق شاسع بين الاكتفاء بالاطلاع على معدل التخلّي عن عملية الشراء، وبين الاستماع مباشرةً لشكوى عميل حول صعوبة إتمام الدفع. هذا التفاعل الوجداني هو بداية لأي تصميم خدمي تشعر به الجماهير وكأنه صُنع من أجلها.
- تعزيز الاحتفاظ بالعملاء وبناء الولاء: القاعدة بسيطة: يبقى العملاء حيث يشعرون بالتقدير والفهم. وتُظهر الإحصائيات أن الشركات التي تستثمر في دراسة تجربة العميل (CX) تمتلك فرصة أعلى بنسبة 58% للاحتفاظ بعملائها. فعبر رصد الاحتياجات الدقيقة للعملاء يمكن للمؤسسات التدخل بشكل استباقي وتوفيرها، وبالتالي تحوّل اللحظات السلبية إلى فرص لبناء الولاء، ما يقلّل بشكل كبير من نسب التسرب المكلف.
- جذب عملاء جدد عبر تجارب إيجابية: التجربة الإيجابية تنتقل بالعدوى. فالشركات القادرة على استثمار آراء العملاء لا تحتفظ بهم فقط؛ بل تزيد احتمالية جذب عملاء جدد بمقدار 23 مرة، إذ يتحوّل العملاء الراضون إلى سفراء أوفياء للعلامة التجارية، ينقلون تجربتهم بثقة إلى مَن حولهم وهو ما يشكّل أحد أقوى أدوات النمو وأقلّها تكلفة.
- خلق ميزة تنافسية مستدامة: في الأسواق التي يسهل فيها تقليد المنتجات والخصائص، تبرز تجربة العميل كعامل التميّز الحقيقي. فالقدرة على تقديم تفاعلات شخصية، انسيابية، ومتعاطفة بشكل دائم، تبني سمعة مميزة تتجاوز حدود الخصائص التقنية أو الأسعار، وتخلق درعاً تنافسياً يصعب اختراقه.
- تحقيق نمو مستدام في الإيرادات: العميل الراضي والوفي لا يكتفي بالبقاء، بل يميل إلى الإنفاق أكثر مع مرور الوقت، وهو ما يُعزز من قيمة عمر العميل. كما يكون أكثر تقبّلاً لشراء المنتجات الإضافية، في ظل علاقة تقوم على الثقة بالعلامة التجارية، لذا لن يفكر في الابتعاد عنها وهو ما ينعكس مباشرة على أرباحها.
- اتخاذ القرارات استناداً إلى الواقع لا الافتراض: توفّر تحليلات ودراسة تجربة العميل الدليل التجريبي لاتخاذ قرارات مدروسة، بحيث يسأل الفريق: “هل نُصلح هذا الخلل أم نبني تلك الميزة؟”. تساعد التحليلات في كشف أنماط الاستخدام، وقياس نقاط التفاعل وتحديد أولويات الاستثمار بحسب تأثيرها المتوقع على تجربة العميل، وهذا لا يترك للتكهّنات مجال!
- تحديد نقاط الألم ومعالجتها بشكل استباقي: إن دراسة تجربة العميل التي تجمع بين البيانات النوعية والكمية، تُسهم في تحديد المشكلات الجذرية أو لحظات الانزعاج ضمن رحلة العميل ثم حلّها بسرعة قبل أن تصبح مصدر شكوى.
- رفع كفاءة العمليات مع خفض التكاليف: يسمح فهم الدوافع السلوكية للعملاء توزيع الموارد بذكاء. فتصميم الخدمات والمنتجات بناءً على رحلة العميل منذ البداية، يُجنّب المؤسسة تكاليف التصحيح اللاحقة والأعباء التشغيلية. كما تؤدي العمليات المُبسّطة المستندة إلى آراء العملاء إلى خفض التكاليف التشغيلية، وتُسهم التجربة الإيجابية في خفض كلفة اكتساب العملاء الجدد بفضل التوصيات الشفهية (Word of Mouth).
كيفية وخطوات إجراء دراسة تجربة العميل (Customer Experience Study) بفاعليّة
دراسة تجربة العميل ممارسة منهجية تتطلب وضوحاً وانضباطاً في التنفيذ. ومع اكتساب الخبرة، تصبح عملية بديهية واستثمار مستقبلي. يمكن اختصار هذه العملية في الخطوات التالية:
1. تحديد أهداف واضحة للدراسة
ابدأ دائماً بسؤال “لماذا؟”: ما المشكلة المحددة التي نرغب في فهمها أو حلّها؟ وما الجانب من التجربة الذي يتطلب التحسين؟ مثلاً: نريد فهم أسباب تخلّي المستخدمين عن عربة التسوق عند مرحلة الدفع، أو تقييم الرضا عن عملية التأهيل الأولي. تحديد الأهداف الدقيقة هي ما يمنح البحث تركيزاً ووضوحاً.
2. رسم خريطة رحلة العميل وتحديد نقاط التفاعل
تخيّل دورة حياة العميل بأكملها؛ منذ لحظة الوعي الأولى ومروراً بمرحلة التفكير والشراء، ووصولاً إلى الاستخدام والدعم، وحتى احتمالية التحوّل إلى داعم للخدمة أو مغادر لها. حدد جميع نقاط التّماس الأساسية مثل زيارات الموقع، استخدام التطبيق، مكالمات الدعم، التفاعل عبر البريد الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي. هذا التصور الشامل يكشف عن اللحظات الحرجة ومصادر الاحتكاك التي تؤثر على “نجاح رحلة العميل”.
3. تقسيم العملاء من أجل الفهم العميق
لا ينبغي التعامل مع العملاء كمجموعة واحدة لها نفس الدوافع والأهداف. فالتقسيم المبكر على أساس أنماط السلوك (المستخدمين النشطين مقابل المتقطعين مثلاً)، أو العوامل النفسية (الدوافع، التوجّهات)، أو الخصائص الديموغرافية، تمكّن من فهم الاحتياجات المتنوعة ومهام العميل الفعلية، وتسهّل التحليل المخصّص وتصميم تجربة شخصية أكثر فاعليّة.
4. اختيار المقاييس المناسبة وتبني منهج متعدد الوسائط في جمع البيانات
اختر مؤشرات الأداء المرتبطة مباشرةً بالأهداف ومرحلة الرحلة التي تتم دراستها (سنتكلّم عنها في فقرة لاحقة). استعن أيضاً بنهج “التثليث (Triangulation)”؛ الذي يعني دمج مجموعات البيانات واستخدام مناهج ووسائل متعددة لمعالجتها والحصول على صورة أكثر اكتمالاً ما يعزز صحة ومصداقية نتائجك ويحدّ من أي تحيزات دراسية وبحثية.
5. التحليل المفصّل
لا تكتفِ بالمؤشرات السطحية بل حلّل الاتجاهات الكمية والموضوعات النوعية بعمق. ابحث عن الأنماط، والعلاقات، ونقاط الاحتكاك الحرجة، ولحظات الإعجاب، والاحتياجات غير الملبّاة، ومجالات التحسين الاستراتيجية. ومن التقنيات المستخدمة لذلك:
- تحليل المسارات (Path Analysis): حدّد مسارات العملاء المؤدية إلى النتائج المرجوّة، وكذلك المسارات التي انتهت بالفشل أو الانسحاب، ثم قيّم نقاط اتخاذ القرار والعوائق.
- تحديد الأنماط والتحليل الموضوعاتي: اكتشف التكرارات السلوكية للعملاء، والموضوعات المشتركة في آرائهم (عبر الاستبيانات والمقابلات)، والانطباعات العامة.
6. ترجمة الرّؤى والنتائج إلى تغييرات قابلة للتنفيذ
لا قيمة للتحليل إن لم يؤدِ إلى تحسين فعلي. لذا حوّل نتائج تحليلك إلى إجراءات عملية مثل تعديل خصائص المنتج، تحسين العمليات الخدمية، أو إعادة صياغة استراتيجيات التواصل، أو تطوير بروتوكولات الدعم. واعتمد في ترتيب أولوياتك هنا على حجم التأثير المتوقّع لكل تغيير.
7. المتابعة والتكرار والتحسين الدّائم
دراسة تجربة العميل ليست مهمة تُنجز مرة واحدة. راقب قنوات تعليقات العملاء باستمرار، وقيّم أثر التغييرات، وكرّر التحسينات بناءً على التعلم المستمر. والأهم، متى ما أمكن، أخبر العملاء الذين أسهمت تعليقاتهم في إجراء تغييرات بأن صوتهم قد سُمِع وأحدث فرقاً، فهذا يخلق قيمة عاطفية كبرى لديهم.
الأساليب والأدوات المستخدمة في إجراء دراسة تجربة العميل وتحليلها
إليك أهم الأدوات والأساليب المستخدمة في إجراء الدراسة:
- الاستبيانات: استخدم استبيانات موجّهة (مثل: CSAT، NPS، CES – سنتكلّم عنها لاحقاً) أي تلك التي تقيّم الاحتياجات المحددة للعملاء، وافعل ذلك في سياقات زمنية مناسبة (بعد الشراء، أو بعد التفاعل مع فريق الدعم) لتوفير مقاييس كمية وملاحظات نوعية. واحرص على وضوح الأسئلة وحيادها.
- المقابلات: أجرِ مقابلات فردية أو جماعية مصغّرة بأسئلة مفتوحة. هذه هي الطريقة التي تُكتشف فيها دوافع العملاء، ومشاعرهم، واحتياجاتهم غير الملبّاة، بآرائهم وأصواتهم الحقيقية.
- تتبُّع السّلوك وتحليل بيانات الاستخدام: راقب كيفية تفاعل المستخدمين فعلياً مع منتجاتك الرقمية باستخدام أدوات التحليلات. يمكنك الاستعانة بالبيانات المرتبطة بالتواريخ (سجلات المعاملات، مسارات التنقل في الموقع).
- الرّصد والملاحظة واختبارات الاستخدام: راقب مستخدمين حقيقيين أثناء تفاعلهم مع منتجك أو خدمتك عبر اختبارات قابلة للتكرار قائمة على مهام محددة. هذا يكشف عن نقاط الألم التي قد لا يتمكن المستخدمون من التعبير عنها لفظياً.
- مراقبة وسائل التواصل وتحليل المراجعات: تتبع الإشارات المرتبطة بعلامتك التجارية، وقيّم الانطباعات العامة عبر التعليقات على المنصات الاجتماعية ومواقع التقييم. توفّر هذه المصادر جميع الملاحظات بدون استثناء حول سمعتك العامة.
- تقنيات نوعية لحظية (In-the-Moment): شجّع عملائك على توثيق تجربتهم أثناء حدوثها. وتُعد وسائل مثل مذكرات الفيديو عبر الهاتف، تسجيلات الشاشة، أو اليوميات المصورة من قِبلهم، أدوات قوية تقدّم رؤى غنية حول تجربتهم، وتنقلك مباشرة إلى بيئة العميل الحقيقية، مما يعزز فهم التجربة متعددة القنوات.
أهم المقاييس لتحليل ودراسة تجربة العميل واتخاذ القرارات
لا يمكن لأي مقياس واحد أن يروي القصة كاملة. لتحقيق فهم شامل، ينبغي استخدام مجموعة من المقاييس المصنفة ضمن ثلاث فئات رئيسية:
1. مقاييس لفهم هوية العملاء:
- تحديد العملاء الجدد: يتم غالباً من خلال أبحاث السوق، ويهدف إلى التعرّف على خصائص العملاء المحتملين في الأسواق غير المُستغلة أو المجاورة.
- تقسيم العملاء: تصنيف العملاء الحاليين ضمن مجموعات ذات معنى بناءً على سلوكيات أو احتياجات أو خصائص ديموغرافية مشتركة، أو بحسب قيمتهم للشركة، مما يتيح وضع استراتيجيات موجّهة وفعالة.
- تصميم شخصية العميل (Customer Persona): إنشاء نماذج سردية غنية تمثل شرائح العملاء الرئيسية، لتعزيز التعاطف داخل الفريق وتوفير مرجعية موحّدة تسهّل اتخاذ القرار.
- قيمة عمر العميل (Customer Lifetime Value – CLV / LTV): تقدير صافي الربح المتوقع تحقيقه من العلاقة الكاملة مع العميل على المدى الطويل. ويمكن حسابها كالتالي: (القيمة = متوسط قيمة الشراء × معدل تكرار الشراء × مدة الاحتفاظ بالعميل). تُعدّ هذه القيمة أساسية تبرّر الاستثمار في الاحتفاظ بالعملاء وتجعلك تفهم الربحية من كل شريحة بمرور الزمن.
2. مقاييس لتقييم سلوك العملاء:
- تحليل المواقف والاستخدام (Attitudes and Usage – A&U): مقارنة بين مواقف العملاء المُعلنة، وسلوكهم الفعلي في استخدام المنتج، للكشف عن الفجوات، وتأكيد الفرضيات، أو اكتشاف أنماط استخدام غير متوقعة.
- تحليل مسار الشراء: رسم وتقييم تسلسل التفاعلات ونقاط اتخاذ القرار التي يمر بها العميل منذ الوعي الأولي وحتى إتمام الشراء.
- رسم خريطة رحلة العميل (Customer Journey Map – CJM): توثيق التجربة الكاملة للعميل عبر جميع نقاط الاتصال (من الوعي وحتى الولاء والدعوة)، مع تحديد اللحظات العاطفية المرتفعة والمنخفضة، ومواطن الاحتكاك أو الفرص.
- تحليل عملية اتخاذ القرار لدى العميل: استكشاف الدوافع العميقة الكامنة وراء قرارات الشراء أو التفضيلات المحددة داخل التجربة.
- تحليل الانسحاب / الربح والخسارة: تكشف نسبة الانسحاب (معدل العملاء الذين تم فقدهم) عن الأسباب والأنماط التي تميّز العملاء الأوفياء عن أولئك الذين يغادرون أو يختارون المنافسين، وتوفّر رؤى قابلة للتنفيذ حول استراتيجيات الاحتفاظ.
- معدل الاحتفاظ بالعملاء (CRR – Customer Retention Rate): قياس نسبة العملاء الذين تم الاحتفاظ بهم خلال فترة زمنية محددة. لحساب CRR = {(عدد العملاء في النهاية – العملاء الجدد المكتسبين) ÷ عدد العملاء من البداية} × 100). يُعدّ هذا المقياس مؤشراً جوهرياً على ملاءمة المنتج للسوق وصحّة الأعمال.
3. مقاييس لتقييم احتياجات العملاء وانطباعاتهم:
- تقييم قيمة العروض (Value Proposition Assessment): جمع تعليقات مباشرة من العملاء حول القيمة الأساسية التي يرونها في خدمتك وأهم السمات التي تميز عروضك مقارنة بالبدائل المتاحة.
- تحليل الوعي بالعلامة التجارية والانطباعات عنها: قياس مدى معرفة السوق والعملاء المستهدفين بعلامتك التجارية، واكتشاف الانطباعات السائدة – سواء كانت إيجابية أو سلبية – التي تؤثر في السمعة ونية الشراء.
- تحليل صوت العميل (VoC- Voice of the Customer): جمع وتصنيف وتحليل ملاحظات العملاء المباشرة (من خلال الاستطلاعات، والمقابلات، والمراجعات) لفهم احتياجاتهم وتوقعاتهم ومصادر رضاهم أو استيائهم.
- تقييم احتياجات العميل: تحديد الاحتياجات الوظيفية والعاطفية الأساسية للعملاء والمرتبطة بخدماتك، وتقييم مدى تلبية الحلول الحالية لهذه الاحتياجات، والكشف عن الحاجات غير المُلبّاة التي تمثل فرصاً للابتكار.
- رضا العملاء (CSAT – Customer Satisfaction Score): قياس رضا العملاء عن تفاعل أو منتج أو خدمة معينة، عادةً ما يكون عبر سؤال بنظام التقييم مثل: “ما مدى رضاك عن…؟”. لحساب CSAT = عدد العملاء الراضين ÷ إجمالي عدد الاستجابات × 100). يفيد هذا المؤشر في تحديد النقاط الجيدة أو المشكلات الموجودة.
- صافي نقاط الترويج (Net Promoter Score – NPS): قياس ولاء العملاء واستعدادهم للتوصية بالعلامة التجارية أو المنتج. اسألهم: “ما مدى احتمالية أن توصي بنا؟. يُصنّف العملاء حسب النقاط إلى مؤيدين مروّجين لخدمتك (9-10)، ومحايدين (7-8)، ومنتقدين (0-6). لحساب صافي نقاط الترويج: (NPS = نسبة المروّجين % – نسبة المنتقدين%).
- مؤشر سهولة التجربة (CES – Customer Effort Score): قياس مدى سهولة قيام العميل بمهمة معينة أو حل مشكلة ما. اسأله: “ما مدى سهولة إتمام المهمة؟”. وبالطبع إن انخفاض الجهد المبذول لذلك غالباً ما يرتبط بارتفاع نسبة الولاء.
اقرأ أيضاً: تحليلات رضا العملاء: أفضل الأساليب والممارسات لقياس رضا العملاء
التميّز في إجراء دراسة تجربة العميل: أفضل الممارسات والتوصيات
لضمان أن تُترجم جهودك في دراسة تجربة العميل إلى تحسينات ملموسة وبناء علاقات حقيقية مع العملاء، اتبع المبادئ التالية:
- إجراء تحليل متعدد القنوات وتكامل القنوات (Omni-Channel): يتفاعل العملاء عبر قنوات متنوعة، لذا يجب أن يشمل تحليلك جميع هذه القنوات. اجمع البيانات من الويب، والتطبيقات، والمتاجر، ومراكز الاتصال، ووسائل التواصل، لبناء صورة موحّدة وشاملة لتجربة العميل.
- جمع الملاحظات باستمرار وفي السياق المناسب: لا تعتمد فقط على الاستبيانات الدورية. اعتمد آليات لجمع الآراء اللحظية (مثل الاستطلاعات القصيرة بعد التفاعل)، وأرفقها بدراسات معمّقة (كالمقابلات أو دراسات اليوميات).
- إشراك الموظفين وتمكينهم: موظفوك جزء من دراسة تجربة العميل فهم يحملون رؤى ثمينة. درّبهم على أهمية تجربة العملاء، ومكّنهم من حل المشكلات وتسجيل الملاحظات. أنشئ قنوات خاصة بهم لنقل ملاحظاتهم إلى فِرق البحث والتطوير، واحتفِ بمساهماتهم في تحسين التجربة.
- الالتزام بأمن البيانات والشفافية: ثقة العميل ضرورة قصوى. اعتمد إجراءات صارمة لحماية البيانات، وكن شفافاً في كيفية جمع البيانات واستخدامها وتأمينها. هذا الالتزام الأخلاقي لا يُساوَم عليه.
- التحسين المستمر نهج دائم: تجربة العملاء ليست هدفاً يُبلَغ، بل رحلة دائمة. احرص على امتلاك عقليّة مرنة تعتمد على التجريب السريع، وتطبيق النتائج، وقياسها. حدّد مؤشرات أداء رئيسية (KPIs) مرتبطة بتحسين تجربة العملاء، وقارن نتائجك بمنافسيك والمعايير الرائدة.
التّحديات الخاصة بإجراء دراسة تجربة العميل
إن لم تواجهك تحديات خلال رحلة عملك، فكيف ستحكي قصّة نجاح باهرة؟ لا بدّ من أن يواجه مختصو دراسة تجربة العميل الكثير من التحديات، وهذه بعضها:
- تقليل العبء على المشاركين في الدراسة: من الضروري احترام وقت المشاركين ومجهودهم الذهني، لا سيما في الدراسات النوعية أو الطولية مثل دراسات اليوميات. فالمهام المفرطة تؤدي إلى الإرهاق، وردود سطحية منهم أو حتى انسحاب كامل من الدراسة. كلما زادت المطالب دون توضيح لقيمتها، قلّت درجة التفاعل والانخراط.
- إضفاء معنى للمشاركة: يجب توضيح الغرض من مشاركتهم، والتأثير المحتمل لما يقدّمونه. صحيح أن تقديم الحوافز (مالية أو غيرها) قد يكون مفيداً، لكن الأهم هو إظهار أن مساهمتهم محل تقدير فعلي، وستُترجم إلى تحسينات واقعية تصبّ في مصلحتهم.
- اختبار أدوات البحث مسبقاً: لا تُطلق الاستبيانات أو أدلة المقابلات دون اختبار داخلي أولاً. يتيح ذلك كشف الأسئلة المربكة، أو المهام المرهقة، وتحسين سير البحث قبل إشراك العملاء الحقيقيين. اعتبر أن المختبرين الداخليين (من فريقك) هم أول عملائك.
مهمّة مشتركة: من المستفيد من نتائج دراسة تجربة العميل؟
إنّ رحلة العميل بطبيعتها متعددة الأبعاد، وتتقاطع مع العديد من الفِرق الداخلية في المؤسسة. أهم المستفيدين من إجراء دراسة تجربة العميل:
- مديرو نجاح العملاء (Customer Success Managers): توفّر الرؤى الناتجة عن الدراسة وضوحاً حول مدى “صحة” المستخدم، وتُعينهم على تحديد الشرائح المعرّضة لخطر الانسحاب، وتفعيل التدخلات الاستباقية لمساعدة العملاء في تحقيق القيمة المتوقعة، ما يعزز معدلات الرضا والولاء على المدى الطويل.
- مديرو المنتجات: يستفيدون من التعليقات المباشرة والبيانات السلوكية لفهم كيفية استخدام الميزات فعلياً – أو تجاهلها – وتحديد أولويات خارطة تطوير المنتج بناءً على احتياجات المستخدمين، مما يُسهم في بناء منتجات أكثر بديهية وقيمة.
- المسوقون المعنيون بالمنتج (Product Marketers): يتمكّنون من تعميق فهمهم لدوافع العملاء ولغتهم، بما يسمح بصياغة رسائل تسويقية مؤثرة، وتصميم حملات موجهة تستجيب لاحتياجات محددة، وتقليل التسرب في المراحل المبكرة.
- فِرق تجربة المستخدم، مصممو الخدمات، وباحثو السوق: يعتمدون على رؤى تجربة العميل للتركيز على نقاط التفاعل الحرجة، وإعادة تصميم مخططات تقديم الخدمة (Service Blueprints) بناءً على مصادر الاحتكاك المكتشفة، أو إجراء تحليلات سوقية أشمل لضمان اتساق العروض مع التوقعات المتطورة للعملاء، وهو ما يساهم في تقديم تجربة مترابطة ومبهجة.
الخلاصة…
إن دمج أبحاث وتحليلات ودراسة تجربة العميل بشكل منهجي لا يُعدّ مجرد وظيفة؛ بل يمثل تحولاً جوهرياً نحو استراتيجية أعمال مبنية على الفهم الإنساني العميق. إنه السبيل لسد الفجوة الخطيرة بين تصورات الشركة الداخلية وواقع العميل.
من خلال تحديد الأهداف بوضوح، ورسم رحلة العميل بتفصيل، والاستفادة من مجموعة أدوات ثرية من المقاييس، وتحليل البيانات بدقة، واتخاذ قرارات قائمة على الرؤى، والالتزام بأفضل الممارسات التي تحترم كلّاً من العملاء والمشاركين، يمكن للشركات أن تصل إلى مستويات غير مسبوقة من فهم العملاء.
وإنّ هذا النهج المرتكز على الإنسان، المدعوم بالبيانات، لا يؤدي فقط إلى تحسينات تدريجية، بل يعمّق التعاطف، ويعزّز الرضا والولاء ويقلّل من نسب الانسحاب، ويمنح الشركة ميزة تنافسية مستدامة قائمة على قاعدة بسيطة وعميقة: “جعل العميل في مركز كل قرار”.
الأسئلة الشائعة
ما هي المراحل الخمس لتجربة العميل؟
تتكون رحلة العميل من خمس مراحل: الوعي، والاهتمام، والشراء/اتخاذ القرار، والولاء، والدعوة/المناصرة.
ما هي الأنواع الأربعة لتجربة العملاء؟
الأنواع الأربعة لتجربة العميل هي: التجربة الرقمية – التجربة الفعلية – تجربة خدمة العملاء – تجربة الخدمة أو المنتج.