من واجهة المستخدم إلى واجهة القرار: كيف تصنع التأثير كمصمم تجربة المستخدم؟

في سباق المجالات التقنية وتقاطع التخصصات، لا يزال العديد من مصممي تجربة المستخدم يشعرون بأنهم بعيدون عن دوائر التأثير الحقيقية داخل المؤسسات. قد تجد نفسك كمصمم على الهامش، تُستدعى في المراحل الأخيرة للتنفيذ، بينما تُتخذ القرارات الاستراتيجية الكبرى بعيدًا عن رأيك وخبرتك.

فلماذا يحدث ذلك؟ وكيف يمكن لمتخصص تجربة المستخدم أن ينتقل من كونه منفّذًا إلى أن يكون شريكًا في اتخاذ القرار؟

في جلسة عميقة، قدّم الأستاذ فيصل عبدالله المحمود، خبير تصميم تجربة المستخدم، تجربة شخصية ومهنية ممتدة، ناقش فيها أهم التحديات التي يواجهها المتخصصون في هذا المجال، وطرح رؤى عملية لكيفية التحدث بلغة صناع القرار، والتغلّب على فجوة التواصل، والانضمام أخيرًا إلى “طاولة القرار”.

فما بين الشعور بالوحدة، والسعي لإيجاد لغة مشتركة، ومواجهة التحديات، وصولًا إلى التأثير الحقيقي… نرافقكم في هذه المقالة في رحلة تغيير تبدأ من الداخل.

ذي صلة: 8 مهام رئيسية لمصمم تجربة المستخدم UX Designer

الإحساس بالوحدة المهنية: حين يُتخذ القرار دونك

أن تكون جزءًا من فريق تجربة المستخدم، لا يعني دائمًا أنك جزء من القرار.

قد تستيقظ ذات صباح لتجد أن منتجًا جديدًا بدأ يتشكل، وأن ملامحه رُسمت، واجتماعاته عُقدت، وخططه وُضعت… دون أن يُدعوك أحد.
تُفاجَأ برسائل تقول: «نحتاجك لتصمّم واجهته»، وكأن دورك يبدأ عندما ينتهي كل شيء.

هنا، لا يتعلق الأمر بتقليل من مهارتك، بل بفجوة عميقة في الفهم:
لا يرونك شريكًا، بل منفّذًا.
لا ينظرون إليك كخبير سلوك واحتياج، بل كمنسّق ألوان ومُجمِّل واجهات.

وهذا الإقصاء الصامت يولّد شعورًا داخليًا قاسيًا: عزلة في قلب الفريق.

يتحدث الأستاذ فيصل عن هذه اللحظة بصدق حاد:

«تحاول أن تُقحم صوتك، أن تقول: هناك تجربة، هناك بيانات، هناك مستخدم حقيقي خلف الشاشات. لكن الرد يأتيك ببرود: ما في وقت… نحتاج الواجهة بس، بسرعة.»

هو ليس مجرد تجاهل، بل اختزال مؤلم للدور، وتحييد لتأثيرك.

لكن ماذا بعد هذه العزلة؟
هل تكتفي بالصمت؟ أم تبحث عن لغة جديدة تُسمَع بها؟

من هنا تبدأ رحلتنا إلى المحور الثاني: إيجاد لغة مشتركة.

إيجاد لغة مشتركة: كيف تخاطب من لا يفهم لغتك؟

لا تكون المشكلة في الفكرة... بل في الطريقة التي قُدّمت بها.
لا تكون المشكلة في الفكرة… بل في الطريقة التي قُدّمت بها.

في كثير من الأحيان، لا تكون المشكلة في الفكرة… بل في الطريقة التي قُدّمت بها.

قد تحمل في يدك رؤى نابعة من بحث عميق، وتجارب واقعية، واحتياجات واضحة للمستخدم… لكن حين تطرحها على أصحاب القرار، تُقابل بنظرات باردة أو ردود مقتضبة:
«لا نرى لها أولوية»،
«الكلام جميل، لكن لا وقت»،
أو الأسوأ: «نحن نعرف ما يريده العميل، دعنا نكمل المشروع أولاً».

الخلل هنا ليس في المحتوى، بل في “اللغة”.
اللغة التي تتحدث بها كمصمم، غالبًا ما تختلف تمامًا عن اللغة التي يتحدث بها المدير أو صاحب القرار.

وهنا يطرح فيصل المحمود سؤالًا محوريًا:

“كيف نترجم رؤيتنا إلى لغة يفهمها من بيده القرار؟”

القطاع الخاص: لغة المال

في عالم الأعمال، الأرقام هي البوصلة.
إذا أردت أن تُسمع، فاربط فكرتك بمردود مالي.
لا تقل فقط: «هذا التصميم سيوفّر تجربة سلسة»، بل قل:

«هذا التعديل قد يرفع التحويل بنسبة 20%، مما يعني أرباحًا أعلى».

المعادلة واضحة: المال يتكلم.
وإذا أردت أن يسمعك أحد، فاجعل الأرقام تنطق بالنيابة عنك.

القطاع الحكومي: لغة القيمة

أما في القطاع العام، فاللغة مختلفة.
هنا، لا يُحرك القرار الربح وحده، بل القيمة المجتمعية، وأثر الخدمة، ونسب رضا الجمهور.

حين تعرض فكرتك، اربطها بتحقيق رؤية، أو تلبية حاجة مجتمعية، أو تسهيل خدمة لفئة مُهمّشة.
قل:

«هذا التغيير سيُمكّن 70% من ذوي الاحتياجات من الوصول للخدمة».
عندها، لن تُرى كمصمم… بل كصاحب رسالة.

والخيط المشترك: لغة الأرقام

مهما اختلفت القطاعات، تظل هناك لغة واحدة يتقنها الجميع: الأرقام.

حين ترتكز على البيانات، تصبح أقرب لعقل القرار.
وحين تصوغ اقتراحك في هيئة مقاييس، تصبح جزءًا من معادلة لا يمكن تجاهلها.

فكّر بالأمر جيدًا:
لماذا تُعتمد تقارير الأداء ربع السنوية دون جدال؟ لأنها تتحدث بلغة لا تُكذَّب.

إيجاد اللغة المشتركة ليس ترفًا، بل مهارة بقاء.
إن أردت أن تؤثر، فعليك أن تترجم شغفك بلغة المنطق، وحرصك بلغة الجدوى.

لكن، حتى بعد أن تتقن هذه اللغة، لا تظن أن الطريق ممهّد.
فأمامك الآن فصلٌ أصعب: التحديات الحقيقية داخل طاولة القرار.

التحديات: عندما تطرق باب القرار، استعد للمقاومة

واجهة المستخدم مع صانع القرار
واجهة المستخدم مع صانع القرار

أن تتقن لغة القرار، لا يعني بالضرورة أن يُفتح لك الباب.

قد تدخل الاجتماعات مسلّحًا بالبيانات، وقد تتحدث بمنطق الربح أو الأثر، وقد يُهزّ الرؤوس موافقة… لكن خلف الأبواب، هناك مقاومة لا تُقال بصوتٍ عالٍ.

يصفها فيصل المحمود بعبارات سمعها مرارًا:

«خلك بشغلك»،
«ترى اللي قبل حاول وما نفع»،
«وش رايك تاخذ مكاني دامك فاهم كل شيء؟»

هنا، أنت لا تواجه فكرة، بل تواجه ثقافة.
ثقافة ترى في كل صوت جديد تهديدًا، وفي كل تغيير «إزعاجًا» لمسارٍ اعتادوه.
أنت بالنسبة لهم “اللاعب الإضافي”، “اللازم غير الضروري”، أو بلغة فيصل: “اللاير الجديد اللي يضيف أوفرهيد”.

فهل تستسلم؟
أم تفهم اللعبة، وتتعلم كيف تتعامل معها؟

ليس عليك أن تكسب كل معركة

في طريقك إلى التأثير، ستتلقى صدمات.
سيرفضون، يسخرون، يتجاهلون، وقد يسحبونك من الطاولة بعد أن جلست.

لكن هذا لا يعني أن المحاولة عبث.
بل على العكس، هي الدليل الوحيد أنك بدأت تُزعج السكون.

إذًا ما الحل؟ كيف تستمر دون أن تُكسر؟

فيصل يقدم مجموعة من الأدوات، أشبه بصندوق نجاة:

ثلاثية التأثير على القرار
ثلاثية التأثير على القرار
  • ادخل النقاش بفكرة + سؤال: لا تُلقِ اقتراحك وكأنك تفرضه، بل قل: «ما رأيكم لو جربنا…؟».
  • اربط فكرتك بالنجاح الجماعي: «لو فعلناها بهذا الشكل، سيظهر الفريق بصورة أقوى أمام الإدارة».
  • لا تُعارض القرار، بل عدّله من الداخل: إن صدر قرار لا يرضيك، لا تعارضه صراحة، بل أعد صياغته بلغة تقبله وتُعيد توجيهه.
  • اختر معاركك بذكاء: ليس كل شيء يستحق الصدام. أحيانًا، ربح صغير تدريجي خير من صدام كبير ينتهي بالخسارة.

لكن الأداة الأهم التي شدّد عليها فيصل كانت:

الاستمرارية.

التحطيم لحظة، لكن الأثر يُصنع بالتكرار.
قطرات الماء لا تثقب الحجر بقوتها، بل بتواصلها.

بهذا، نصل إلى عتبة التحوّل الحقيقية:

هل وصلت إلى الطاولة؟ هل أصبحت مؤثّرًا؟
ربما نعم… لكن تذكّر: البقاء هناك قصة أخرى.

ذي صلة: ما الفرق بين تجربة المستخدم (UX) وواجهة المستخدم (UI)

الانضمام إلى طاولة القرار: حين يصبح حضورك ضرورة لا خيارًا

أخطاء شائعة أثناء صناعة القرار
أخطاء شائعة أثناء صناعة القرار

بعد جولات من الإقناع، وسنوات من الصبر، وكمٍّ هائل من المحاولات الصغيرة… تصل.
تُستدعى لاجتماعات لم تكن تُدعى لها من قبل،
يُطلب رأيك قبل التنفيذ،
يُقدَّر حضورك لا كلمسة تصميم، بل كصوتٍ في رسم التوجّه.

لقد جلست على الطاولة.

ولكن لا تُخطئ الفهم:
الجلوس على طاولة القرار ليس نهاية القصة، بل بداية معركة جديدة.
معركة البقاء، والتمكين، والاستمرارية.

لأنك — ببساطة — لست مُحصّنًا

فكما فُتِح لك الباب، يمكن أن يُغلق من جديد.
لحظة واحدة من ضعف، أو تردد، أو غياب للثقة، كفيلة بأن تُعيدك إلى مربع التنفيذ.

لهذا يذكّرنا فيصل بحقيقتين:

أولًا: الثقة ليست ترفًا

اتخذ القرار. حتى لو كنت غير متأكد بنسبة 100%.
حتى لو أخطأت، لا بأس.

لأن تجنّب الخطأ خوفًا، خطأ أكبر.

كل من تراهم اليوم قادة، كانوا يومًا مبتدئين.
تعلّموا من أخطائهم، ونضجوا في خضم الفعل، لا في الهروب منه.

ثانيًا: الاستمرارية هي السر

لن تُحدث الأثر بضربة واحدة.
ولن تُثبت نفسك في يوم أو أسبوع.
لكن إن حافظت على إيقاع ثابت، وسعيت لتقديم قيمة حقيقية كل مرة، فستُصبح جزءًا لا يُستغنى عنه.

«كل محاولة بسيطة، كل فكرة صغيرة، كل مداخلة هادئة… تسجّل لك نقطة.
ومع الوقت، تُصبح تلك النقاط جدار ثقة يقف عليه اسمك.»

وحتى إن أُبعِدت مؤقتًا، لا تُهزم.
ارجع بلغة أقوى، بثقة أهدأ، واستعد لموقعك.

الخلاصة: الطاولة ليست هدفًا… بل مسؤولية

وجودك في موقع القرار يعني أن لك تأثيرًا، لكنّه يُحمّلك تبعة.
فلا تكن ذلك الصوت العالي بلا فهم، ولا تكن ذلك الصامت الحاضر بلا أثر.

كن خبيرًا في لغتك، مرنًا في أسلوبك، واثقًا في حدسك.
وساعتها، لن تكون «مصمم تجربة» فقط، بل صانع قرار يُبنى عليه مستقبل المنتج.

من التهميش إلى التأثير… رحلة تستحق العناء

في جلسة صادقة وعميقة، لم يحدثنا فيصل عبدالله المحمود عن التصميم كأدوات، ولا عن تجربة المستخدم كواجهة.
بل حدثنا عن الإنسان خلف الواجهة، عن صوته حين يُقصى، عن قيمته حين تُجهل، وعن قدرته إن أصرّ واستمر على أن يصنع فارقًا حقيقيًا.

تعلمنا أن الطريق من «واجهة المستخدم» إلى «واجهة القرار» ليس مفروشًا بالقبول، بل بالمواجهة.
وأن من أراد التأثير، فعليه أن يتقن لغات لا تُدرَّس:
لغة المال، لغة القيمة، لغة الأرقام، والأهم: لغة الناس الذين لا يشبهونه في التخصص، لكن بيده أن يشبههم في المنطق.

هي دعوة لأن تخرج من دائرة التنفيذ إلى فضاء التأثير.
لا لتفرض رأيك، بل لتُبصر غيرك بما لا يرونه.
لا لتصنع واجهة جميلة فقط، بل لتقود رحلة تغيير تبدأ من احتياج المستخدم وتنتهي في عقل القرار.

فإن كنت ممن يشعرون بالتهميش اليوم، فتذكر:
الطريق طويل… نعم.
لكنك إن صبرت، وثبت، وتعلّمت كيف تترجم رؤيتك بلغة يُصغى لها فالمستقبل لك.

ولعل أبلغ ما نختم به، ما اقتبسه فيصل في نهاية حديثه:

«تساقط نقاط الماء مع الوقت يثقب الصخر، ليس لقوّتها، ولكن بتواصلها».

فكن تلك النقطة.
واصل.
ولا تنتظر دعوة للطاولة… اصنع لنفسك فيها مقعدًا.

هذا المقال مستوحى من جلسة بعنوان “من واجهة المستخدم إلى واجهة القرار” قدمها الخبير أ. فيصل عبدالله المحمود قائد تصميم تجربة المستخدم بضيافة أ. محمود عبد ربه مؤسسس وقائد منصة “تعلم كتابة تجربة المستخدم بالعربية”.

يمكنكم مشاهدتها كاملة عبر الرابط

 

شارك المعرفة

انضم إلى نشرة UX Writing بالعربية

احصل على أفضل النصائح والمصادر في كتابة تجربة المستخدم وتصميم المحتوى مباشرةً إلى بريدك الإلكتروني + خصومات حصرية للمشتركين (+4000 مشترك)

دوراتنا المميزة

اختر الدورة المناسبة لأهدافك واحجز مقعدك الآن
الدورة التأسيسية في كتابة تجربة المستخدم
10 محاضرة . 17 ساعة
+ 100 خريج
الدورة المتقدمة في كتابة تجربة المستخدم
20 محاضرة . 40 ساعة
+ 100 خريج
الدورة التأسيسية في كتابة المحتوى
13 محاضرة . 25 ساعة
جديد
الدورة المتقدمة في أنظمة التصميم
24 محاضرة . 36 ساعة
ورشة التصميم السريع
4 محاضرة . 10 ساعة
جديد
دورات أخرى