لماذا لا أشعر بالقلق على وظيفتي كـكاتب تجربة المستخدم في عصر الـ AI؟

الذكاء الاصطناعي ليس بديلاً عن خبراء تجربة المستخدم، بل هو أداة جديدة تضاف إلى ترسانتهم المهنية.
في مؤتمر Insight Out الذي نظمته شركة Dovetail، قال أحد المتحدثين، ويدعى جيس هولبروك، جملة لامست شيئًا في داخلي. (أنا أنقل المعنى بتصرف من الذاكرة، فالعذر إن خانتني الدقة). قال: “هدفي هو بناء منتجات أفضل، ولهذا السبب أعمل في مجال أبحاث تجربة المستخدم.”
قد تبدو هذه العبارة بسيطة، لكنها عميقة في جوهرها؛ إذ إن أدوات التصميم وتجربة المستخدم ليست سوى وسائل لتحقيق غاية أسمى: بناء منتجات ذات قيمة وجودة عالية.
اقرأ مقالنا بعنوان: تعرف على كيفية تحسين تجربة المستخدم باستخدام الذكاء الاصطناعي
أدوات تجربة المستخدم تتغير باستمرار
لقد كانت أدوات وأساليب تجربة المستخدم دائمة التحول والتطور.
أمارس هذا المجال منذ أكثر من عشرين عامًا، قضيت معظمها في مؤسسة NN/g. عندما التحقت بفريق العمل هناك، كان من بين هدايا الترحيب التي حصلت عليها، إلى جانب كومة من الكتب، ساعة توقيت… نعم، ساعة توقيت تقليدية، إذ كان علينا حينها تسجيل زمن أداء المهام يدويًا خلال جلسات الاختبار.
لكنني استخدمت تلك الساعة مرة واحدة فقط، لا أكثر. سرعان ما ظهرت منصات الاختبار غير الموجه عبر الإنترنت، مثل UserZoom ، فبدأنا نستخدمها في اختبارات المستخدم الكمية، بل وحتى النوعية أحيانًا. ومنذ ذلك الحين، لم أعد بحاجة إلى ساعتي القديمة؛ إذ إن هذه الأدوات كانت تسجل الزمن بدقة تفوق قدرتي البشرية بكثير.
رالوكا بوديو، المديرة العليا لاستراتيجية البيانات في مجموعة نيلسن نورمان
وهذا المثال مجرد محطة واحدة في سلسلة من التحولات التي عايشتها في هذا الحقل. تحول آخر كبير جاء مع جائحة كوفيد-19. قبل انتشار الوباء، كنا نجري معظم اختبارات تجربة المستخدم في بيئة فعلية وبحضور المشاركين شخصيًا، وكان من الصعب حينها العثور على أدوات تسمح بتسجيل الشاشات عن بُعد بجودة مقبولة. ولكن ما إن أصبحت منصة Zoom جزءًا من روتين العمل اليومي، حتى تغيّر الأمر كليًا: صار نادرًا ما نلجأ إلى الاختبارات الحضورية. ليس لأنها أقل فاعلية “فهي غالبًا أكثر دقة وغنى” بل لأن الاختبارات عن بُعد أصبحت أقل تكلفة، وأسهل تنظيمًا، وقادرة على الوصول إلى مشاركين من أي مكان في العالم.
مع كل تطور في الأدوات المتاحة، كان علينا أن نُعيد تشكيل أساليبنا وتقنياتنا بما يتناسب مع هذا التغيير.
أدوات البحث: بين الأمس واليوم
قبل 20 عامًا | اليوم |
حاسوب مخصص لاختبار المستخدمين | أدوات الاجتماعات المرئية مثل Zoom |
برنامج لتسجيل الشاشة (مثل Morae) | كاميرا لتسجيل وجه المستخدم |
حاسوب أو دفتر لتدوين الملاحظات | أدوات الذكاء الاصطناعي لتفريغ النصوص |
ساعة توقيت لتسجيل الزمن | منصات دراسات كمية مثل UserZoom |
نقد مباشر لتعويض المشاركين | خدمات إلكترونية مثل Tremendous لمكافأتهم |
الذكاء الاصطناعي: أداة لا أكثر
الذكاء الاصطناعي ليس أكثر من أداة جديدة، أو بالأحرى، مجموعة أدوات متنوعة. وحتى الآن، لم نصل إلى فهم دقيق لكيفية استخدامه بكفاءة. لا زلنا في طور التجربة والاستكشاف، بدءًا من المستخدمين الاصطناعيين ووصولاً إلى التيسير الآلي لجلسات الدراسة، ومن التحليل الموضوعي للنصوص إلى توليد مكونات الواجهات البرمجية.
ومع تطور أدوات الذكاء الاصطناعي واتضاح معالمها، تبرز مهمتنا الجوهرية: أن نكتشف كيف يمكن لهذه الأدوات أن تُساعدنا في بناء منتجات أفضل، بكفاءة أعلى وتكلفة أقل. وعلينا أن نُدرك كذلك ما يمكن لهذه الأدوات أن تحلّ محله من الأساليب الحالية، أو ما يمكنها أن تعززه وتطوره.
خذ اختبار قابلية الاستخدام كمثال. نحن لا نجري هذه الاختبارات لأننا نستمتع بالحديث مع المستخدمين، أو بمشاهدتهم وهم يتعثرون خلال التفاعل مع واجهاتنا. بل نفعل ذلك لأن هذه الاختبارات تكشف لنا عن مشكلات حقيقية في التصميم. اختبار خمسة مستخدمين كافٍ لكشف ما يقرب من 85% من مشكلات الاستخدام في واجهة ما، لنقوم بإصلاحها والمضي قُدمًا في الدورة التصميمية التالية.
فإن تمكنّا من تحقيق النسبة نفسها ” أو حتى نصفها” باستخدام الذكاء الاصطناعي، فلمَ لا؟ لا بأس أن نعتمد عليه للوصول إلى هذا الحد، ما دمنا نُجري بعض الاختبارات البشرية لاحقًا لاكتشاف ما قد يفوته الذكاء الاصطناعي.
النقطة الجوهرية: الأدوات تتغير… ونحن نتغير معها
يوميًا تتطور الأدوات وتختفي معظمها. وقد اعتدنا التكيّف مع الجديد منها، وتجاوز ما عفى عليه الزمن. الفرق اليوم هو أن الذكاء الاصطناعي يبدو أكثر ترهيبًا. نشعر أحيانًا وكأننا نلهث للحاق بعدد لا ينتهي من الأدوات الجديدة التي تظهر يومًا بعد يوم، فضلًا عن كمّ المصطلحات التقنية المعقدة؛ مثل “التعلم العميق”، “المحوّلات”، “التعلم المعزز”، و”التوليد المعزز بالاسترجاع”. حتى المنشورات غير الرسمية على لينكدإن قد تبدو مستعصية على الفهم في هذا السياق.
وهذا الإحساس ليس خاطئًا تمامًا، لكنه ليس الحقيقة الكاملة أيضًا. فالكثير مما يُثار حول الذكاء الاصطناعي هو ضجيج تقني. لا تحتاج لأن تفهم آلية عمله الدقيقة كي تبدأ باستخدامه والتجربة بنفسك.
اقرأ مقالنا بعنوان: من أزمة إلى فرصة: كتابة تجربة المستخدم في عصر الذكاء الاصطناعي AI
أساليب جديدة ستظهر

عند ظهور أي تقنية جديدة، فإنها كثيرًا ما تُحفّز ابتكار أساليب بحث جديدة. على سبيل المثال، خرائط رحلة العميل (Customer Journey Maps) لم تكن شائعة حتى أصبحت الأجهزة المحمولة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. فقد بات المستخدمون يتنقلون بين الأجهزة بسلاسة لتحقيق هدف واحد، ما اضطرنا إلى تجاوز التفكير في “القنوات المنفصلة” والتركيز على “الهدف الأشمل”.
وبالمثل، سنكون بحاجة إلى أساليب جديدة لدراسة وتصميم التفاعلات المعتمدة على الذكاء الاصطناعي. فإذا كانت الواجهات التوليدية تُبنى ديناميكيًا لتلائم احتياجات كل مستخدم على حدة، فكيف سنقيّم جودتها؟ كيف سنعرف إن كانت هذه الواجهة التوليدية “جيدة” أم “سيئة”؟ ما نوع البيانات التي يجب أن نزود بها الذكاء الاصطناعي ليُنتج تجربة استخدام فعّالة؟ وما البيانات التي ينبغي أن يعتمد عليها لإنشاء تلك الواجهة من الأساس؟
حتى في حال انتشار الواجهات التوليدية، من المرجّح أن تستمر الواجهات التقليدية في الوجود إلى جانبها، على الأقل لفترة من الزمن. بل سيأتي الذكاء الاصطناعي كذلك بأدوات جديدة تُحسّن من تلك الواجهات التقليدية، وسيتوجب علينا دراستها وتحسينها. سنحتاج إلى مقارنة هذه الأساليب الجديدة مع الطرق التي نثق بها اليوم.
مثلًا: كيف تُقارن دراسة يتم تيسيرها عبر الذكاء الاصطناعي بدراسة تقليدية موجهة أو غير موجهة؟ متى يكون التيسير الآلي فعّالًا؟ ومتى يُظهر ضعفه؟ ما مدى موثوقية الموضوعات التي يستخرجها الذكاء الاصطناعي من بيانات المستخدمين؟ وأين يجب علينا التعمّق بأنفسنا؟ وإذا حدّد الذكاء الاصطناعي مشكلات قابلية الاستخدام، فكم منها يكتشف؟ وهل هي المشكلات الأكثر أهمية؟ أم فقط الأكثر وضوحًا؟
المهارات التي سنحتاجها في تجربة المستخدم
إن كانت وظيفتك تعتمد بشكل أساسي على أسلوب واحد من أساليب تجربة المستخدم، كاختبارات الاستخدام مثلًا فهناك احتمال أن يُستبدل هذا الأسلوب أو يُؤتمت مع مرور الوقت. تمامًا كما قلّ الاعتماد على الكتَاب المختصين بالتفريغ عندما أصبحت تقنيات التفريغ اللحظي أكثر موثوقية.
لكن إن كان تركيزك منصبًا على فهم البشر وتصميم واجهات قابلة للاستخدام، فسيبقى لك دور دائم في هذا المجال.
ربما تمارس غدًا عددًا أقل من اختبارات الاستخدام، وربما يتولّى الذكاء الاصطناعي مقابلة المستخدمين أو حتى توليد الواجهات مباشرة.
لكن سيظل هنالك من يجب عليه توجيه هذا الذكاء.
تصميم منتجات أفضل مسألة معقدة، غامضة، وتختلف من سياق إلى آخر. حتى لو امتلكنا أداة ذكاء اصطناعي مثالية لتجربة المستخدم، فمَن سيُحدّد المشكلة بدقة كي تعالجها الأداة؟ من سيطرح الأسئلة الصحيحة؟ ومن سيحكم على جودة المخرجات؟
هذا هو عملنا. وهذه هي المهارات التي نستخدمها اليوم؛ والتي سنستخدمها أيضًا غدًا.
عندما بدأت أول وظيفة لي في مجال تجربة المستخدم، لم أكن قد أجريت سوى اختبار استخدام واحد. لكنني كنت قد نفذت وحلّلت عشرات التجارب النفسية، وبنيت نماذج حسابية لسلوك الإنسان. لم تكن هذه المهارات مدرجة في وصف الوظيفة، لكنها زوّدتني بفهم عميق للسلوك البشري، وقدرة تحليلية تساعدني على طرح الأسئلة الصائبة.
تلك المهارات هي التي خدمتني مرارًا وتكرارًا في عملي. وهي نفسها التي ستقودنا إلى المستقبل في عصر الذكاء الاصطناعي.
تلك هي المهارات التي علينا صقلها الآن، مهما كان شكل الغد.
المقال_ مترجم_ بتصرف_ من المصدر:
Why I’m Not Worried About My UX Job in the Era of AI