من حلم شخصي إلى مظلّة عربية للمبدعين الرقميين | قصة مؤسس منصة “UX Writing بالعربية”
يومنا أصبح مليء بتقنيات كثيرة من التطبيقات الرقمية والأدوات التكنولوجية، هنا وهنا فقط تبقى الكلمة هي الرابط الأصدق بين الإنسان والتقنية. ومن هذا الإيمان، انطلقت حكاية المهندس محمود عبد ربه، مؤسس منصة UX Writing بالعربية، الذي استطاع أن يحوّل اهتمامه وشغفه بالتعريب وتجربة المستخدم إلى مشروعٍ عربيّ رائد يضم آلاف المتعلّمين والمهتمين في أنحاء الوطن العربي.
كانت البداية بسيطة، كما يروي أ. محمود:
«لم أكن أتصوّر أن نصوص التطبيقات والمواقع الرقمية يمكن أن تكون علمًا قائمًا بذاته، إلى أن جاء أحد زملائي في شركة كبيرة وطلب مني أن أعمل على نصوص تطبيق للهاتف المحمول. كانت تلك اللحظة الأولى التي سمعت فيها عن كتابة تجربة المستخدم، أو ما يُعرف بالإنجليزية بـ UX Writing.»
كانت نهاية عام 2019، حين بدأت البذور الأولى لشغفٍ جديد يتشكّل في ذهنه. لم يكن الأمر مجرّد اهتمامٍ عابر، بل تحدٍّ شخصي وفضول مهني دفعه للغوص عميقًا في هذا العالم. يقول:
«شدّني المجال لأنّه يجمع بين اللغة والتصميم والتفاعل الإنساني. كنت أؤمن أن الكلمات ليست تزيينًا أو زركشة للواجهة الرقمية، بل جزء أساسي من التجربة ذاتها. النص هو من يقود المستخدم، يوجّهه، ويجعل التجربة سلسة ومحببة.»
رحلة التعلم الذاتي وبداية الطريق
لم يكن المحتوى العربي في ذلك الوقت جاهزًا لاستقبال مجال جديد بهذا العمق، لذلك اختار محمود طريق التعلم الذاتي والمثابرة. ويتابع قائلاً:
«اضطررت لحضور الندوات عبر الإنترنت في أوقاتٍ غير اعتيادية بسبب فروقات التوقيت. كنت أتابع جلسات مع خبراء من أمريكا ولندن وأستراليا وألمانيا، أحيانًا قبل الفجر وأحيانًا بعده. لم يكن الأمر سهلًا، لكنه كان يستحق كل دقيقة.»
وبين الدورات المكثفة القصيرة والتعليم الذاتي المستمر، بدأ يكوّن قاعدة معرفية متينة. ومع الوقت، أدرك أن ما يميّز تجربته ليس فقط المعرفة التقنية، بل قدرته على فهم النصوص وتعريبها لتناسب الثقافة العربية. فقد شارك سابقًا في تعريب مواقع وتطبيقات عالمية مثل تويتر (Twitter) وواتساب (WhatsApp) وفورسكوير (Foursquare) عام 2013، حين لم تكن هذه التطبيقات متاحة رسميًا للمنطقة العربية.
«تلك التجربة جعلتني أعي تمامًا ما يعنيه أن تكون اللغة جسرًا حقيقيًا بين المنتج والمستخدم، ,وليس ترجمة سطحية لا تسمن ولا تغني عن الجوع ولا تفيد المستخدم.»
م. محمود عبد ربه مؤسس منصة UX Writing بالعربية
من الشغف إلى الإطلاق الرسمي
حين وجد أن كثيرين في العالم العربي يتساءلون عن المجال ويطلبون استشارات حوله، قرر أن يخطو خطوة جريئة.
«بدأت أولًا بإطلاق مجتمع صغير لكتّاب تجربة المستخدم. فوجئت بالإقبال الكبير، وبتلك الأسئلة التي تنهال من كل مكان. هذا الحماس دفعني لأتخذ قرارًا بإنشاء مجموعة على لينكدإن وصفحة على تويتر، لأتحدث أكثر عن المجال وأقدّم محتوى معرفيًّا موثوقًا.»
وفي عام 2020، أطلق رسميًا منصة UX Writing بالعربية لتكون أول منصة متخصصة في هذا المجال باللغة العربية.
«أطلقنا أول دورة متقدمة في كتابة تجربة المستخدم، وكانت واحدة فقط في البداية، لكن الإقبال تجاوز كل توقعاتي. قبلها كنت قد درّبت ما بين 25 إلى 50 شخصًا مجانًا لمدة 3 أشهر، وبعدها تحوّل التدريب إلى منظومة احترافية كاملة.»
أول تجربة.. وأول لحظة تصديق للحلم

يتحدث محمود بابتسامة لا تخلو من الدهشة حين يروي أول تجربة مدفوعة:
«أول من حجز الدورة كانت الزميلة غدير من المملكة العربية السعودية، وهي اليوم تترأس فريق تجربة المستخدم في إحدى الوزارات هناك. وقتها قلت لنفسي: يا نهار أبيض. فعلاً في ناس حجزت الدورة! أدركت حينها أن الفكرة لم تعد تجربة فردية، بل مشروعًا حقيقيًا.»
مع أول إعلان عن تدريب مجاني مدته 3 أشهر، نشر محمود الإعلان على لينكدإن وكانت المفاجأة عندما استيقظ في صباح اليوم التالي ليجد أن 107 أشخاص قد سجّلوا لحضور الدورة. وبعد عملية فرز واختيار دقيقة، بدأ التدريب مع 24 شابًا وفتاة، الأغلبية من المملكة العربية السعودية وكان هناك متدربين من مصر والأردن واليمن، ضمن منحة كاملة تحمّل تكاليفها بنفسه.
«كنت مؤمنًا أن الاستثمار في التعليم هو أول خطوة لتأسيس مجتمع مهني حقيقي. السعوديون كانوا سبّاقين فعلًا في الاهتمام بالمجال الرقمي وتطويره.»
التخطيط لأول دورة مليء بالدعم

حين سُئل عن كيفية تخطيطه لأول دورة، أجاب بهدوءه المعتاد الواثق:
«بنيت الدورة على مزيجٍ من التجربة الشخصية والمراجع الأجنبية والدروس المستخلصة من العمل في مشاريع حقيقية. لم أعمل وحدي، فقد ساندني زملاء وأصدقاء كُثر. أخصّ بالشكر أنس عيد من فلسطين، وسفر عياد من السعودية، ومحمود عطية وكريم سمارة من مصر، وغيرهم ممن كانت لهم بصمات واضحة في الانطلاق والتحسين.»
حول مستقبل مجال كتابة تجربة المستخدم وواقعه العربي
يقول محمود بنبرة يقين:
«أرى أن مجال كتابة تجربة المستخدم واسع جدًا، وقد بدأ يترسّخ كمهنة مستقلة داخل المؤسسات. لكنّي في الوقت ذاته قَلِق من المبالغة في الاعتماد على الذكاء الاصطناعي. صحيح أنّه أداة قوية، لكنه لا يستطيع أن يُنتج نصوصًا “إنسانية” بالمعنى الحقيقي. إذا فقدت النصوص “الأنسنة” ستفقد العلامة التجارية ولاء المستخدم، وسينعكس ذلك على التجربة كلها مما يجعلني أهتم اكثر بجودة مخرجات المنص بجميع تفاصيلها وهو ما يضع مسؤولية كبيرة على عاتقي ويحثني للاستمرار ونشر المجال بشكل أكبر لأن عالمنا العربي يستحق أن يكون في مقدمة التطور والاهتمام بالمستخدم وتجربة المستخدم.»
التحديات والاعتقادات الخاطئة
من أكثر ما يزعجه في المجال “كما يقول” هو التقليل من شأن التخصّص.
«كثيرون يعتقدون أن أي كاتب إعلانات أو مصمم واجهات رقمية يمكنه أن يكتب نصوص تجربة المستخدم. وهذا غير صحيح تمامًا. كتابة تجربة المستخدم علمٌ يقوم على البحث والاختبارات وفهم السياق، وليس صياغة كلمات متتابعة لا معنى لها ولا هدف. أحب أن أقول دائمًا: أعطِ العيش لخبّازه ولو أكل نصفه وهو إن دل على شيء يدل على أهمية المجال خاصة في الوقت الحالي الذي يعتمد فيه الإنسان على الرقمنة بشكل كبير وبجميع مجالات حياته الشخصية والمهنية.»
أول مشروع مدفوع.. وأول إحساس بالإنجاز
عن أول عائد مالي حصل عليه من المجال، يروي:
«كان أول مشروع خاص مدّته شهران. كانت مهمتي كتابة نصوص تجربة المستخدم بالتعاون مع فرق الـ UI و UX لتحسين التجربة الكاملة. كانت تجربة غنية وشعرت فيها أن عملي يترك أثرًا حقيقيًا داخل المنتج فخور بتلك الأيام إلى هذه اللحظة لأنني ساهمت بشكل كبير بتحسين حياة الكثير من المستخدمين وعملنا ضمن فريق لنجاح العملية ونجاح المشروع.»
خمس سنوات من الحلم والمسؤولية

اليوم، وبعد مرور خمس سنوات على إطلاق المنصة، يتحدث محمود بمزيج من الفخر والخوف:
«الخوف هنا ليس من الفشل، بل من المسؤولية. لأننا ندرّب أفرادًا وفرق عمل من مؤسسات وشركات وجهات حكومية مختلفة، أي معلومة غير دقيقة يمكن أن تترك أثرًا سلبيًا في منتجات تُستخدم من آلاف الناس. لذلك أتابع كل دورة بنفسي، وأضع يدي على قلبي مع كل دفعة جديدة.»
ويضيف بابتسامة خفيفة:
«لكن بفضل الله، كل الخريجين يقولون إنها من أجمل وأعظم الدورات والتجارب التعليمية التي حضروها. هذا وحده كافٍ ليجعلني أستمر.»
رؤية ورسالة مستمرة
منذ انطلاق المنصة وحتى اليوم، أصبحت UX Writing بالعربية مظلّة تعليمية تجمع المقالات، والدورات، والجلسات الرقمية (Webinars)، وتقدّم محتوى متخصصًا موثوقًا في مجال كتابة تجربة المستخدم (UX Writing).
«أمنيتي أن تنتشر الدورات أكثر في العالم العربي، وأن تصبح المنصة المرجع الأساسي لكل من يريد تعلّم كتابة تجربة المستخدم بالعربية كما توسعنا ضمن المجال والتخصصات التي نوفر فيها دورات تدريبية في أنظمة التصميم وتجربة العميل وكتابة المحتوى وورش عمل ودورات تدريب فرق العمل. لدينا اليوم مئات القصص من المتدربين الذين غيّروا مسارهم المهني بفضل ما تعلّموه.»
إضاءات في مسار المجال “مجال تجربة المستخدم”
يرى المهندس محمود أن مميزات التخصص وفوائده عديدة، منها:
- تحسين تجربة المستخدم وجعلها أكثر وضوحًا وسلاسة.
- زيادة الولاء للعلامة التجارية عبر نصوص قريبة من وجدان المستخدم.
- تعزيز فرص العمل في سوقٍ يشهد طلبًا متناميًا على كتّاب تجربة المستخدم المتخصصين.
- توفير أدوات احترافية مثل دليل أسلوب كتابة المحتوى (Content Style Guides) ودراسات الحالة العملية.
- المساهمة في تصميم منتجات رقمية عربية تراعي اللغة والثقافة المحلية.
خاتمة: الكلمة مسؤولية
يختم محمود عبد ربه حديثه برسالة إنسانية قبل أن تكون مهنية:
«أشعر بفخرٍ عظيمٍ عندما أرى اليوم عشرات الآلاف من المتعلمين يعتمدون على المنصة لتوسيع معارفهم. هذا وحده يمنحني دافعًا للاستمرار. الكلمة مسؤولية، وكتابة تجربة المستخدم ليست مهنة عابرة وخاصًة في زمننا هذا الذي أصبح الناس يعتمدون على كل شيء رقميًا. أدعو كل من لديه شغف باللغة والتصميم أو الكتابة بحد ذاتها أن يدخل هذا المجال، فالمستقبل مفتوح، والمساحة العربية في أمسّ الحاجة إلى مبدعين يحملون رسائلهم بوعيٍ ومسؤولية.»
تهيئة مناخ رقمي مسؤولية على عاتق الجميع اصنعها بحرص وعناية، ضمن مجالك مهما كان. نحن اليوم أمام أجيال قادمة تنتظر منا بيئة رقمية صحيحة وسليمة وقادرة على فهم متطلباتها واحتياجاتها على جميع الأصعدة.
وهذا ايضاً يتجاوز البديهيات ليكون أصحاب المشاريع على قدر كبير من المسؤولية لصنع وإطلاق مشاريع تخدم العالم العربي وتلائم وتناسب ثقافته.
وهنا ختام حديثنا الرائع مع م. محمود عبد ربه “أحب أن أطلق عليه لقب عرّاب المجال” لكنه سيتحفظ على ذلك ولن يقبل؛ لذلك وضعتها سراً فلا تخبروه. إلى اللقاء في قصص نجاح أخرى وقادمة ضمن مجال تجربة المستخدم.
مواقع وروابط مؤسس المنصة:
- المدونة الشخصية لمحمود عبد ربّه: https://midoodj.me/
- منصة UX Writing بالعربية: https://uxwritingar.com/